بعد 3 أسابيع من حملة القمع الدامي التي واجهت موجة احتجاجات مطلبية واسعة وأسفرت عن سقوط 149 قتيلاً معظمهم برصاص قناصة مجهولين، يستعد العراق ليوم حافل من التظاهرات المطالبة بمكافحة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية، في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية التي تسكنها أغالبية شيعية.

وعشية الاحتجاجات التي تتزامن مع الذكرى الأولى لتولي رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي مقاليد السلطة، نفت الحكومة العراقية، أمس، ما ورد في تقرير نقل موقع الحرة بعض معلوماته من «فورين بوليسي» و«معهد واشنطن»، بشأن مشاركة مدير مكتب رئيس الوزراء أبو جهاد الهاشمي في قمع التظاهرات ضمن ما أطلق عليه «خلية الأزمة».

Ad

وقال مكتب عبدالمهدي، في بيان، إن «ما تضمنه مقال نشرته فورين بوليسي وقناة الحرة الأميركيتان عن علاقة مدير المكتب المعروف بـأبي جهاد بموضوع المتظاهرين» غير صحيح.

وأضاف البيان، «أن التاريخ الذي يشير إليه كاتب المقال وهو الثالث من أكتوبر الجاري دليل على أن معلوماته مفبركة وكاذبة، لأن مدير المكتب كان بهذا التاريخ مكلفاً خارج البلاد بمهمة حكومية ولم يباشر عمله إلا بتاريخ السادس من الشهر نفسه».

«خلية القمع»

ونشر «معهد واشنطن» تقريراً نقلاً عن مصادره أفاد بانضمام مجموعة من الميليشيات العراقية وقادة الأمن إلى ضباط في «الحرس الثوري» الإيراني لتشكيل «خلية أزمة» في بغداد في الثالث من أكتوبر.

وأضاف أن الخلية عملت «من غرفتي عمليات، هما منزل آمن سري في الجادرية ومبنى لهيئة تابعة لقوات الحشد الشعبي بالقرب من مستشفى ابن سينا وسط العاصمة».

وتابع أن «ضباط اتصال إيرانيون قدموا المشورة بناء على خبرتهم في محاربة النشطاء في إيران، بالإضافة إلى توفيرهم مواد استخبارية عن النشطاء والاتصالات الآمنة للقناصة».

وذكر التقرير أسماء 10 أشخاص، قال إنهم من بين الأفراد الذين تم تحديدهم على أنهم يعملون في الخلية، ومن بينهم، قائد فيلق القدس بـ«الحرس الثوري» اللواء قاسم سليماني وقائد عمليات «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس ومستشار الأمن القومي العراقي رئيس هيئة الحشد فالح الفياض وأبو جهاد مدير مكتب عبدالمهدي وذكر أنه بدأ عمله بعد عودته من لندن.

كما تضمنت الأسماء الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي وفالح اللامي، الذي وصفته المصادر بمنسق عمليات القناصة ضد المتظاهرين. ويوصف اللامي على نحو واسع بأنه «خليفة المهندس». وشملت الاتهامات مستشار رئيس الوزراء لشؤون الحشد أبومنتظر الحسيني.

استباق وترقب

واستبق رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة الاحتجاجات بسلسلة تغييرات في مواقع القيادات الأمنية والعسكرية.

وتوجه عبدالمهدي بكلمة للعراقيين، أمس، تناولت الحديث عن حزمة اصلاحات أعلن عنها، أمس الأول، وتضمنت طرح مشروع قانون «من أين لك هذا» وتخفيض رواتب المسؤولين وامتيازاتهم، وتوزيع رواتب للعاطلين عن العمل. وتعهد بإجراء تعديل وزاري «لا يخضع للمحاصصة أو الضغوط السياسية ويعطي الأولوية للشباب».

وأعلنت وزارة الداخلية أمس، رفع درجة التأهب إلى الدرجة القصوى استعدادا لـ«حماية» تظاهرات اليوم وتأمين سبل حركة المواطنين وأمنهم وحماية المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة.

وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، إن «رئيس الوزراء ووزير الداخلية وجها القوات الأمنية بالتعامل المسؤول مع المتظاهرين وفق مبادئ حقوق الإنسان والالتزام بالتوجيهات لحماية التظاهر السلمي وانه لا داعي للقلق من انطلاق التظاهرات بعد الدروس المستفادة من التظاهرات السابقة».

ويأتي ذلك في وقت تتجه الأنظار إلى طريق تعامل قوات الأمن مع التظاهرات، وسط ضغوط سياسية على رئيس الوزراء الذي تعرض ائتلافه الحكومي لتصدعات كبيرة.

وكانت لجنة وزارية عليا للتحقيق في قضية إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، أحالت عدداً من القيادات الأمنية والعسكرية وقادة الأجهزة الأمنية إلى القضاء على خلفية استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين في الأسبوع الأول من الشهر الجاري.

لكن اللجنة ألقت باللوم على القيادات الأمنية وذكر أنها حصلت على أدلة على وجود «قناصة مجهولين» دون أي ذكر لدور الفصائل المسلحة.

الصدر والحكيم

في الأثناء، أصدر الزعيم العراقي مقتدى الصدر مجموعة تعليمات لأنصاره حول التظاهرات التي دعا إليها ناشطون اليوم ضد الفساد وللمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية. ودعا الصدر المتظاهرين إلى تقديم الورود للجنود والحفاظ على ممتلكات الشعب العامة والخاصة وعكس صورة جميلة بالتنظيم والهتاف وعدم المبادرة إلى استخدام العنف، وحثّ على رفع مستوى المطالب بشرط التحلي بالحكمة من أجل عدم ضياع العراق دستورياً وأمنياً، مؤكداً أن جميع تشكيلات التيار الصدري سيكونون في خدمة المتظاهرين.

وفي تطور قد يكون له تأثير في اشراك المحافظات السنية بالتظاهرات ، دعا الصدر إلى التنسيق مع العشائر العراقية، وحذر من أن «التيار الصدري سيتصرف هذه المرة في حال تجدد الاعتداء على المتظاهرين» ودعا مقاتلي «سرايا السلام» إلى مواكبة المتظاهرين لحمايتهم دون حمل السلاح.

من ناحيته، قال رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم الذي أعلن انتقاله قبل أشهر إلى صفوف المعارضة إنه لن يشارك باسم تياره في الاحتجاجات، لكنه أبقى الباب مفتوحاً أمام أنصاره للمشاركة بصفتهم الشخصية. وستكون خطبة وكيل المرجعية في صلاة الجمعة، مؤشراً على مدى التعبئة التي ستصل ذروتها في مساء اليوم.

وقالت مصادر لـ «الجريدة»، إن هناك استعدادات لمسلحين أمام السفارة الإيرانية في بغداد التي تقع على طريق المنطقة الخضراء عند أسفل جسر الجمهورية. وأضافت أن مخططات المتظاهرين لاقتحام المنطقة الخضراء أثارت مخاوف من مواجهة عند السفارة الإيرانية.