في حدث هو الأبرز في إطار فعاليات المئوية الخامسة لوفاة ليوناردو دا فينشي، يحتفي متحف اللوفر الباريسي بهذا الرسام الأبرز من عصر النهضة، الذي يكنّ له الفرنسيون تقديراً خاصاً لأنه عاش سنواته الأخيرة بينهم، فيما يبدو الإيطاليون غير مستعدين لمشاركة إرثه مع سواهم.

وساد اعتقاد فترة بأن هذا الحدث الثقافي قد لا يرى النور بعدما ألمحت الحكومة الشعبوية الإيطالية السابقة العام الماضي إلى أنها لم تعد مستعدة لإعارة اللوفر أعمالاً لليوناردو دا فينشي محفوظة على الأراضي الإيطالية.

Ad

وشكلت هذه الحادثة فصلاً جديداً من فصول المناوشات الفرنسية الإيطالية، في أوج أزمة دبلوماسية بين البلدين لم يتوان خلالها الائتلاف الحاكم في إيطاليا حينها وعلى رأسه ماتيو سالفيني ذو التوجه السيادي، في توجيه انتقادات لاذعة لباريس.

وفي تلك الفترة، جددت نائبة وزير الثقافة لوتشيا بورغونزوني المقربة من سالفيني التأكيد على أن ليوناردو دا فينشي «كان إيطالياً حتى لو أن شقيقاً لنا في الجانب الآخر من جبال الألب يريد تصويره على أنه فرنسي».

غير أن الأجواء هدأت مذاك وقد تغيّرت الحكومة الإيطالية هذا الصيف وباتت أكثر انحيازاً إلى اليسار، كما أن وزير الثقافة الجديد داريو فرانشيسكيني المعروف بحبه للثقافة الفرنسية سعى مع نظيره الفرنسي كي يتمكن اللوفر من عرض كل أعمال ليوناردو دا فينشي المنتظرة في باريس.

غير أن دا فينشي يبقى موضوعاً حساساً بين البلدين، كما يثبته القرار الصادر أخيراً عن محكمة في البندقية بتجميد الإذن المعطى بإخراج لوحة «الرجل الفيتروفي» الشهيرة للرسام قبل أن يسمح القضاء أخيراً بإعارتها للوفر.

وفي مثال آخر يجسد الحساسية الإيطالية في هذا الموضوع، ثارت موجة انتقادات بسبب زلة لسان مقدم نشرة إخبارية رئيسية في فرنسا وصف في مايو الماضي الفنان المولود في منطقة توسكانة الإيطالية والذي توفي في توران وسط فرنسا، بأنه «عبقري فرنسي». وقد علق مقدم نشرة إخبارية في إيطاليا على هذه «الهفوة» قائلاً، إنه لا يعرف ما إذا كانت «زلة، أم أنها نسخة غريبة لقانون الجنسية التي تمنح بحسب مكان الوفاة لا مكان الولادة».

ويشير المؤرخ جان إيف فريتينييه إلى أن الإشكاليات بين فرنسا وإيطاليا بشأن دا فينشي تشهد على «المنافسة الثقافية» القائمة بين هذين «الشقيقين اللاتينيين». ويلفت المؤرخ وهو أحد مؤلفي كتاب «فرنسا وإيطاليا قصة أمتين شقيقتين»، «من جهة هناك إيطاليا التي تطالب بأن تكون لها الأولوية لأنها، من خلال روما، الرافعة الأساسية للفن الغربي فيما هناك في الجانب الآخر فرنسا التي تبدي شعوراً فوقياً تجاه جارتها، مفضلة توجيه اهتمامها إلى ألمانيا أو في مرحلة معينة إلى بريطانيا».

كذلك فأن حملات نابليون بونابرت التي صودرت خلالها مئات الأعمال الفنية من إيطاليا لعرضها في المتاحف الفرنسية، تركت انطباعا لدى الإيطاليين بأن إرثهم يتعرض للنهب.

ومن الفرضيات التي سرت لتفسير سرقة اللوحة الشهيرة لدا فينشي في 1911، في متحف اللوفر هو أن السارق تصرف بدافع وطني لإعادة اللوحة إلى موطنها الأصلي إيطاليا.