في وقت بقي رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي مجرداً من دعم تيار الإصلاح، ومتعلقاً بتأييد متردد من الأحزاب الكردية وتحالف يضم أغلب الميليشيات المقربة من طهران، وذلك على خلفية التداعيات المتزايدة لملف قمع تظاهرات مطلع الشهر، لم ينتظر المحتجون حلول موعد التظاهرات الجديدة المقرر اليوم الجمعة، بل توافدوا من مدن بعيدة مثل البصرة إلى قلب العاصمة بغداد في ساحة التحرير منذ ظهيرة أمس الخميس.

وستكون احتجاجات اليوم مختلفة، وسط أنباء عن اعتصام مفتوح محتمل، وذلك بعدما قرر زعيم التيار الصدري وحلفاؤه في الحزب الشيوعي المشاركة بقوة، و«حماية المتظاهرين»، في أجواء توحي بأن العراق أمام واحد من أوسع الاحتجاجات الناقمة على السلطة، والتي تضاعفت مطالبها هذه المرة بعدما أثير غضب الجمهور بسبب نتائج التحقيق الحكومي، الذي لم يفسر إطلاق النار الكثيف على تظاهرات مطلع الشهر، إذ سقط أكثر من مئة قتيل وستة آلاف جريح خلال خمسة أيام من الاحتجاج الذي عم المدن الشيعية.

Ad

ووسط دعوات واسعة لانتخابات مبكرة وتعديل أساسي لنظام الانتخاب وآلياته وضمان إشراف دولي يمنع التلاعب، ألقى معظم قادة الأحزاب في جناح الإصلاح باللائمة على رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، الذي لم يتحمل مسؤولية إطلاق النار، وفسر ذلك تقرير حكومته بعبارات لم يفهمها الجمهور، مثل «فقدان السيطرة»، إذ قرر إثر ذلك إعفاء عشرات الضباط من القوات المسلحة، في حين لم يتطرق إلى دور الميليشيات، التي تورطت على الأرجح في إطلاق النار على المتظاهرين بقسوة ولعدة أيام بدعوى وجود مؤامرات لزعزعة الاستقرار «مدعومة من الخارج».

ولم تفلح ثلاث حزم من الإصلاحات الاقتصادية السطحية في تهدئة الجمهور، وأعلن زعيم التيار الصدري أنه سيشترك مع أتباعه فيما سماه «الثورة»، وهو وصف يستخدمه للمرة الأولى في مشاركاته المتعددة بموجات الاحتجاج السابقة.

وتعترض فئة واسعة من المتظاهرين على مشاركة الصدر، في حين يرى آخرون أن وجوده سيساهم في تقليل دور الميليشيات التي ربما تعيد الكرة وتطلق النار على المحتجين. وقال الصدر في بيانين منفصلين الأربعاء والخميس، إن أتباعه عليهم حماية المتظاهرين لو تعرضوا لاعتداء، لكنه شدد على سلمية التظاهرات وعدم حمل السلاح، كما دعا العشائر إلى الوجود من أجل «حماية أبنائهم».

وأطلقت الحكومة سراح بضعة ناشطين بارزين قبيل التظاهرات، كما أكدت القيادات الأمنية عبر إعلان رسمي مكرر أن وظيفتها حماية المتظاهرين، وضمان عدم تكرار عمليات القتل الواسعة، وسط اتهامات للفصائل المسلحة الموالية لطهران بتزايد دورها في مفاصل الدولة الأمنية تحت ذريعة حماية الحكومة.

ويقلل الخبراء من احتمال تكرار إطلاق النار الكثيف، وسط تحذيرات الأحزاب والمرجعيات الدينية من ذلك، ومشاركة واسعة مع المتظاهرين من جانب مقتدى الصدر الذي يمتلك نحو خمسين ألف مسلح في جناحه العسكري، لكن ذلك لا يمثل ضمانة بعدم تكرار العنف، وخصوصاً مع إشارات إلى إمكانية اقتحام المحتجين الحواجز الأمنية نحو مقرات الحكومة في المنطقة الخضراء والقريبة من بعثات دبلوماسية حساسة، مثل السفارتين الإيرانية والأميركية، مع وجود سوابق قريبة، مثل إحراق المتظاهرين لقنصلية إيران في البصرة العام الماضي.

وبقي رئيس الحكومة طوال شهور حريصاً على مواقف حيادية بين واشنطن وطهران، لكن أحداث أكتوبر الجاري تركته وحيداً مع المعسكر الحليف لطهران كما يبدو، وتردد أنه حاول الاستقالة مرات لكن الضغوط منعته من ذلك، غير أن دخوله في مواجهة مع الصدر وحلفائه في اليسار، وهم يمثلون أكبر كتلة نيابية، قد يعني طي صفحة عبدالمهدي، وبدء إجراءات انتقالية يدعو الكثيرون إلى أن تكون بإشراف أممي يقلل تلاعب الكارتلات السياسية الكبيرة.