ما قل ودل: هل الحكومة هي الخاسر من غياب الأحزاب ؟ (1-2)
لا حظر دستورياً على الأحزاب يستند قيام أحزاب في الكويت إلى ما تنص عليه المادة (43) من الدستور من أن "حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة"، وتنص المادة (44) على أن "للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة".وقد كان قيام الأحزاب في الكويت محل مناقشات طويلة في المجلس التأسيسي في تفسيره للمادتين سالفتي الذكر عندما سئل الخبير الدستوري حول ما إذا كان نص الدستور الذي يكفل حرية تكوين الجمعيات والنقابات يبيح تكوين الأحزاب السياسية؟ فأجاب الخبير بأن الدستور ترك هذا الموضوع للمشرع دون نص في الدستور على إباحة أو تحريم، ليضع المجلس النيابي ما يراه، فإن رأى المجلس أن يجيز ذلك فله أن يفعل، وله أن يمنع قيام الأحزاب إطلاقا أو إلى حين، فالدستور لا يأمر ولا ينهى في هذا الشأن، وإن انتفاء طريق الأحزاب ليس معناه انتفاء ممارسة المواطن لجميع حقوقه السياسية من انتخاب وترشيح وتعبير عن الرأي وحرية تكوين الجمعيات والتجمعات والمواكب المنصوص عليها في المواد الأخرى، وقد طالب الدكتور أحمد الخطيب بأن يصوّت المجلس على هذا التفسير الذي ذكره الخبير في شأن الحرية السياسية، فوافق المجلس بالإجماع على هذا التفسير، وعلى المادة ٤٣ التي تنص على حرية تكوين الجمعيات وفقا لهذا التفسير.
تقديري لما ورد في المذكرة التفسيرية والواقع أن ما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور من الخشية من أن يكون الحكم هدفا لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، وقد أخرجت من سياقها، إنما جاءت في سياق تبرير المذكرة للنظام الديمقراطي الذي تبناه الدستور طريقا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما، بسبب الفضائل البرلمانية التي عددتها المذكرة، ومنها "ألا يفقد الحكم- بهذا الانعطاف- طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية أو يجافي تراثنا التقليدي في الشورى وفي التعقيب السريع على أسلوب الحكم وتصرفات الحاكمين". ثم استدركت المذكرة التفسيرية للدستور إلى أن هذه الفضائل البرلمانية لم تُنس الدستور عيوب النظام البرلماني التي كشفت عنها التجارب الدستورية، وأن المسؤولية التضامنية في هذا النظام يخشى معها أن تجعل من الحكم هدفا لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، بل تجعل من هذا الهدف سببا رئيسا للانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك، وليس أخطر على سلامة الحكم الديمقراطي من أن يكون هذا الانحراف أساسا لبناء الأحزاب السياسية في الدولة، بدلا من البرامج والمبادئ، وأن يكون الحكم غاية لا مجرد وسيلة لتحقيق حكم أسلم وحياة أفضل، وإذا آل أمر الحكم الديمقراطي إلى مثل ذلك ضيعت الحقوق والحريات باسم حمايتها، وحرف العمل السياسي عن موضعه ليصبح تجارة باسم الوطنية.فلم يكن هذا الاستطراد من المذكرة التفسيرية للدستور تبريراً لحظر دستوري في قيام أحزاب في الكويت، بل كان تفسيرا لعدم الأخذ بالمسؤولية التضامنية للحكومة التي يأخذ بها النظام البرلماني، والتي يخشى من الأخذ بها في الكويت ما تخوفت منه المذكرة من أن يصبح الحكم معركة بين الأحزاب لا هوادة فيها، لذلك أخذ الدستور، بالمسؤولية الفردية للوزراء، بحيث لا يترتب على سحب الثقة من الوزير إلا استقالته وحده مع بقاء الحكومة.رأي راعي استقلال القضاء في إطار استقراء صحيفة "الجريدة" آراء الخبراء وذوي الشأن البرلماني والدستوري حول رأي المجلس الأعلى للقضاء في المقترح البرلماني بإنشاء الأحزاب السياسية في الكويت بأن الدستور يحظر قيام أحزاب في الاتصال الهاتفي الذي أجرته "الجريدة" مع نائب رئيس مجلس الأمة الأسبق، ووزير العدل الأسبق مشاري العنجري، فقد أجاب "الجريدة" بما يخالف رأي المجلس، بالرغم من أنه لا يرى أن الظروف الآن مهيأة لقيام أحزاب ولكنها الأمانة التي يتحلى بها.فإنه لا يخفى على أحد أن دافع العنجري في التصدي لرأي المجلس الأعلى للقضاء ليس رغبة في قيام الأحزاب، بل هو حماية لاستقلال القضاء، فهو راعي هذا الاستقلال منذ أن كان وزيراً للعدل، وكانت رسالته وقضيته الأولى هي تقرير استقلال القضاء الذي صدر به القانون رقم 10 لسنة 1996، فهو في خلافه في الرأي مع المجلس الأعلى للقضاء أراد أن ينأى المجلس بنفسه عن دروب السياسة ودهاليزها فيما لا يدخل في اختصاصه أصلا، وقد كان العنجري على استعداد للتخلي عن منصبه الوزاري إذا لم تقر الحكومة هذا القانون، وأن في عهده ألغيت محاكم أمن دولة، حماية للعدالة ليصبح القضاء الطبيعي هو الذي ينعقد اختصاصه بجرائم أمن الدولة مثل غيرها من الجرائم.وللحديث بقية في الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في عنوان المقال، هل الحكومة هي الخاسر من غياب الأحزاب؟ لأن لهذا السؤال حكاية في مصر سأرويها في المقال القادم بإذن الله إن كان في العمر بقية.