استأنف العراقيون احتجاجاتهم المطلبية، التي انطلقت مطلع أكتوبر الحالي وتوقفت مؤقتاً خلال إحياء ذكرى «أربعينية الأمام الحسين»، وأسفرت التظاهرات التي اندلعت في محافظات جنوب ووسط البلاد والعاصمة بغداد والأحداث التي رافقتها عن مقتل 50، وسط نذر ومخاوف من احتمال تحول الاضطرابات إلى اقتتال شيعي - شيعي، بعد سقوط قتلى وجرحى في اشتباكات بين عناصر فصائل مقربة من إيران ومسلحين من المحتجين ومن أنصار الزعيم مقتدى الصدر حاولوا اقتحام مقارّ لـ»الحشد الشعبي». ومع اشتداد الاحتجاجات ليل الجمعة - السبت اضطرت السلطات الأمنية إلى فرض حظر للتجوال في 6 محافظات هي: البصرة، ذي قار، واسط، بابل، الديوانية والمثنى، للحيلولة دون وقوع المزيد من أعمال العنف وسقوط الضحايا.وبينما تواصلت الاحتجاجات، أمس، بوتيرة أهدأ، وحاول المحتجون إقامة اعتصامات في ساحات مدن عدة، استخدمت قوات حفظ النظام العراقية قنابل الغاز المسيل للدموع لمنع متظاهرين من الاقتراب من الحواجز الأمنية على جسر الجمهورية في ساحة التحرير وسط بغداد.
وقتل 6 أشخاص، أمس، بينهم 3 متظاهرين في بغداد و3 في الناصرية، خلال إقدام محتجين على اقتحام منزل رئيس اللجنة الأمنية في محافظة المدينة وإضرام النار فيه.وجاءت الموجة الثانية من الاحتجاجات التي أسفرت موجتها الأولى عن سقوط 157 قتيلا برصاص «قناصة مجهولين»، رغم الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي منتصف ليل الخميس - الجمعة، والتي حذر فيها من أن انهيار الحكومة سيزج بالبلاد في مزيد من الفوضى، واعداً بمزيد من الاصلاحات، ودعوة الزعيم الأعلى لشيعة البلاد علي السيستاني، إلى الهدوء.وأمس الأول، نزل آلاف العراقيين في بغداد محاولين اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين، والتي تضم المقار الحكومية والسفارات. وشهدت مدينة الناصرية مقتل 9 محتجين، عندما فتح أعضاء جماعة «عصائب أهل الحق» المدعومة من طهران، والذين يحرسون المقر المحلي للجماعة في مدينة الناصرية، النار بعد أن حاول المحتجون إحراق المقر. وأفادت المصادر بأن 8 أشخاص قتلوا في اشتباك بمدينة العمارة بينهم 6 متظاهرين وعضو واحد في «العصائب» وضابط مخابرات.وذكرت مصادر أخرى أن 12 محتجا في مدينة الديوانية لاقوا حتفهم عندما حوصروا داخل مبنى يضم مقر «فيلق بدر» المدعوم من طهران، بعد إضرام محتجين النار فيه دون علم بوجود آخرين بالداخل.وأعلنت الديوانية، أمس، تعطيل الدوام الرسمي اليوم الأحد، في حين أكدت استمرار حظر التجوال.وأحصت مفوضية حقوق الإنسان، حرق مقر «العصائب» و«تيار الحكمة» القديم وحزب «الدعوة» و»حركة البشائر» و»حزب الفضيلة» و«منظمة بدر» في محافظة المثنى، وحرق مقر «حزب الدعوة» في محافظة واسط، وحرق مبنى محافظة ذي قار من قبل المتظاهرين، واقتحام منزل محافظ واسط.وأكد الخبير الأمني العراقي البارز هشام الهاشمي أن الصراع الفصائلي والحزبي، الذي شهدته سبع محافظات جنوبية، أسفر عن إحراق وتدمير 88 مقراً وبناية حزبية وحكومية وخاصة، دون أن تتدخل القوات الأمنية.
تمزيق خامنئي
وفي كربلاء، قام متظاهرون بتمزيق صور المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، كما هتفوا بعبارات ضد قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، وأنشدوا هتاف «إيران برا برا... كربلاء تبقى حرة». وشهدت مدن محافظة البصرة، صباح أمس، هدوءاً حذراً بعد ليلة دامية من الاحتجاجات. وفي حين ذكر مصدر أمني أن آلية تابعة لقوات مكافحة الشغب دهست حشداً من المتظاهرين وسط المدينة، أضرم محتجون النار في ثكنات تابعة لعناصر الأمن المكلفة بحماية ديوان المحافظة.وأقدم عدد من المتظاهرين في البصرة على محاصرة منافذ حدودية. وقطع طريق مدخل منفذ سفوان الحدودي، مما أعاق حركة المسافرين عبره عدة ساعات. كما قاموا بالتظاهر أمام ميناء أم قصر الشمالي، الذي يعد واحدا من أهم منافذ الاستيراد والتصدير العراقية.ولاحقاً، حذرت قيادة شرطة البصرة من أن قواعد الاشتباك الميداني ستتغير، بعد ان أكد القضاء أمس أن الاعتداء على القوات الأمنية والمال العام جريمة يعاقب عليها وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، والتي تسمح بإعدام المدان.وفشل البرلمان في عقد جلسة، أمس، لدراسة مطالب المتظاهرين وحزمة الإصلاحات التي وعد بها رئيس الحكومة، بسبب عدم اكتمال النصاب، رغم إعلان كتلة سائرون التابعة للصدر والتي كانت تقاطع البرلمان أنها ستشارك. من جهة ثانية، أصدرت وزارة الداخلية بيانا تعليقا على الأحداث، وقالت إن «استغلال البعض للمظاهرات السلمية وقيامهم بالاعتداء بالأسلحة النارية والقنابل اليدوية والحجارة على قوات الأمن تسبب في سقوط قتلى وجرحى».وبررت «الداخلية» سقوط الضحايا بوقوع الاشتباكات، خلال محاولة اقتحام المقار الحكومية والحزبية. وشددت على عدم استخدامها للذخيرة الحية ضد المتظاهرين.في السياق، تم تكليف اللواء الركن عبدالكريم خلف ناطقا رسميا باسم القائد العام للقوات المسلحة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي.«حزب الله»
من جهته، أصدر «حزب الله» العراقي، بياناً قدم فيه تعزيته إلى الشعب بسقوط «ثلة من أبنائه» الذين «طالتهم يد الغدر» خلال الاحتجاجات، وشدد على ضرورة «الحيطة من عملاء محور الشر ووجود أطراف خارجية تعمل على إشاعة الفوضى والاحتراب الداخلي وإحداث الفتنة».من ناحيته، قال الأمين العام لـ "العصائب"، قيس الخزعلي: إن "دماء الشهداء والضحايا التي سقطت تتحملها أميركا وإسرائيل".تريث كويتي
من ناحية أخرى، دعت السفارة الكويتية لدى العراق، أمس الأول، المواطنين الكويتيين إلى التريث في السفر إلى العراق، في حين حثت الموجودين هناك على المغادرة والابتعاد عن التجمعات وأماكن التظاهر.وحث السفير الكويتي في بغداد، سالم الزمانان، المواطنين الذين ينوون السفر إلى العراق على التريث وعدم السفر في الوقت الحالي.«جيش إلكتروني» يستهدف «المؤثرين»
كشف مصدر أمني عراقي أن أكثر من 100 ناشط وصحافي ومدون وشخصية اجتماعية فاعلة تلقت تهديدات واتهامات مضللة من «جيش إلكتروني» على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال المصدر لموقع «السومرية نيوز» العراقي، إن «هناك من يدير هذه الجيوش من خارج العراق؛ بدليل أنها استمرت بالعمل حتى مع انقطاع الإنترنت» خلال الموجة الأولى من التظاهرات في الأول من أكتوبر الجاري. وأشار إلى أن الهدف هو «وصم هؤلاء ضمن خانة العمالة أو التآمر، بالتالي إسقاطهم مجتمعياً وإخراجهم عن دائرة التأثير الاجتماعي، خصوصاً أنّ لهم عشرات آلاف المتابعين وهم من المؤثرين في محيطهم».صيادو الشائعات يستنفرون
أموات يطلقون النار على الحشود، بيانات لجهاديين أو لبعثيين تدعو إلى التظاهر، أو أكاذيب سياسيين... كل تلك الأخبار تحاول شبكة "تيك فور بيس" (تكنولوجيا من أجل السلام)، وهي منظمة غير حكومية تضم 200 متطوع من شبان وشابات مجهولي الهوية في العراق وأوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى في العالم، التدقيق في المعلومات للتأكد من صحتها. وقد توصلت الشبكة إلى أن بيانات تنظيم داعش، التي تدعو إلى التظاهر، مزيفة، وأوامر عائلة الدكتاتور العراقي المخلوع صدام حسين للعودة إلى الشارع، مزيفة أيضاً. وفي السياق الحالي للتظاهرات التي أسفرت مطلع أكتوبر الجاري عن مقتل أكثر من 150 شخصاً، قد تؤدي بعض المعلومات الخاطئة إلى عواقب وخيمة. ويقول سامي، وهو متطوع في الشبكة يبلغ 20 عاماً، إنه منذ أيام عدة "يتم تداول صور لأشخاص يتهمون بقتل المتظاهرين"، مشيراً الى أن هذا النوع من الإعلانات، يماثل الحكم بالإعدام على شخص في الشارع. ويضيف أن صوراً لجنود قتلوا في المعارك مع "داعش" تنشر على أنها لجنود يطلقون النار على الحشود. وفي العراق، حيث أغلبية وسائل الإعلام منحازة لأطراف، يفضل عدد كبير من الأشخاص الاعتماد على مجموعات عبر "واتساب" و"فيسبوك" لمتابعة التطورات، لكن في تلك التطبيقات أيضاً، غالباً ما تنشر مقاطع فيديو ذات عناوين خادعة أو ذات مصادر غير موثوقة ينشرها أحياناً أشخاص في صفحات وحسابات لا يعرفون أنها تبث معلومات خاطئة. كمية الوثائق التي تنشر في تلك المجموعات على أنها رسمية، لا تعد ولا تحصى، وتعلن قرارات غالباً ما تكون ذات مصداقية لكن أحياناً مزيفة تماماً. وغالباً ما يضطر سياسيون وأحزاب، وحتى مؤسسات الدولة، إلى النفي والتنديد ببيانات خاطئة، أحياناً حتى بعد بثها في وسائل الإعلام. ويقول المدون سعد الكعبي إنه في إحدى المرات قدم رئيس جمهورية سابق تعازيه الحارة بوفاة فنان أعلنت صفحات على "فيسبوك" وفاته، لكن لا يزال على قيد الحياة. ويضيف أنه إلى جانب حقيقة أن "المسؤولين يستقون معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي"، فإن "السلطات تقوم أحياناً بإطلاق بالونات اختبار لرؤية رد فعل الشارع".