الربيع العربي... الموجة الثانية!
كنت واثقاً ومازلت أن التغيير العربي أو ما يسمى بـ "الربيع العربي" لم ينتهِ في عام 2014، كما روّج البعض وتمنت الأنظمة العربية، بل إن الموجة الأولى منه مرت، وستأتي موجات لاحقة أشد وأقوى؛ لأن الأجيال الحالية لن تقبل أن تُحكَم بالأنظمة التي سادت خلال الخمسين عاماً الماضية، لاسيما أن العالم كله تغير، وأصبحت الصناديق الانتخابية تقرر مصير الشعوب في أدغال إفريقيا وغابات أميركا اللاتينية والجزر النائية في المحيطات.كل مراقب ومتابع للشأن العربي كان يدرك أن موجة ثانية من الربيع العربي ستندلع لاحقاً، وكانت إرهاصاتها تظهر بين حين وآخر، فيما عدا الأنظمة العربية وحاشيتها التي تعيش في حالة نكران لذلك، ويعتقدون أنهم خدعوا الشعوب العربية بإجراء إصلاحات وهمية وبرلمانات صورية وهيئات مكافحة فساد خيالية، عادت بعدها الأوضاع إلى ما كانت عليه من استبداد وتكميم للأفواه وفساد وسرقات.
الموجة الثانية من الربيع العربي نجحت نسبياً في السودان والجزائر وتونس عبر الصناديق الانتخابية، بينما تواجه صعوبات في الدول ذات التركيبة الطائفية ذات الميليشيات المسلحة المدعومة خارجياً كالعراق ولبنان، وأعتقد أن التغيير فيهما صعب، ولن يمر- للأسف- إلا من خلال مواجهات وعنف، إذ إن زعماء الطوائف هناك لا يملكون عقلية توافقية تنسخ التجربة السويسرية أو الماليزية في التعايش وبناء دولة، في ظل مشروع ولاية الفقيه الإيراني المسيطر لديهما.معطيات العصر وطبيعة الأجيال الحالية والمقبلة توضح أن الأنظمة العربية القائمة لن تستطيع أن تستمر وتحكم بأسلوب ما قبل الربيع العربي 2011، وكل ما تفعله حالياً هو شراء الوقت لا أكثر، لذا أتوقع أن تكون الموجة الثالثة من الربيع العربي أقسى وأشد، وستشمل دولاً عربية تعتقد أنها بمنأى عن حراك الربيع العربي، وستكون مفاجآتها أكبر وأشمل، ومن يعتقد منهم أنه نجح في تجاوز مرحلة الثورات العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وسيفعلها مجدداً فهو واهم؛ لأن الظروف قد تغيرت تماماً ولا نجاة إلا بالإصلاح ومنح الشعوب حرياتها وحقوقها وإرادتها في إدارة أوطانها.***رغم أن خطاب الرئيس اللبناني ميشيل عون إلى المتظاهرين اللبنانيين لم يكن بالمستوى المطلوب، وحمل العديد من الوعود القديمة- الجديدة والإبر المخدرة لتجاوز المرحلة وإنقاذ عهده، فإنه كان لافتاً مقترحه الخاص برفع السرية المصرفية عن حسابات وممتلكات رؤساء السلطات الثلاث (الجمهورية، الحكومة، البرلمان) والوزراء، وتشديده على أن سرقات المال العام والتكسب من المناصب لا يسقطان بالتقادم.