متى يمكن الثقة برئيس أميركا؟

نشر في 28-10-2019
آخر تحديث 28-10-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت إن البيت الأبيض يحاول منع لجنة الاستخبارات الدائمة في الكونغرس من الاطلاع على شكوى أحد المبلغين والتي تذكر بالتفصيل محاولات الرئيس دونالد ترامب المتكررة للضغط على الرئيس الأوكراني فولودمير زيلنسكي لفتح تحقيق مع ابن نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن وهو أحد أهم المنافسين من الحزب الديمقراطي لتحدي ترامب في انتخابات الرئاسة لسنة 2020 ونظرا لرفض ترامب التعاون مع تحقيقات الكونغرس فإن الأكثر ترجيحا أن هذه الحلقة ستنتهي الى طريق مسدود آخر واستطلاعات الرأي تشير الى أن العامة قد أصبحوا أقل اهتماما بدراما تلفزيون الواقع اليومية لإدارة ترامب.

لكن بغض النظر عما إذا بقيت فضيحة أوكرانيا على قمة عناوين الصحف أم لا، فإنها ستطارد مجتمع الاستخبارات الأميركي الذي كان بمثابة بعبع لترامب منذ اليوم الذي تولى به السلطة. لقد هاجم ترامب بدون هوادة وكالات الاستخبارات الأميركية وتقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأفشى أسرارا للمسؤولين الأجانب على الرغم من إمكانية أن يؤدي ذلك لخطر حرق مصادر استخبارية عالية القيمة، وهذا السلوك أثار مخاوف جدية عما إذا يمكن الثقة بترامب لتلقي معلومات حساسة، والآن فإنه يجب على قادة الاستخبارات أن يسألوا أنفسهم عن المدى الذي يمكن أن يذهبوا اليه في الانصياع لأوامر البيت الأبيض.

ومما لا شك فيه أن المفتش العام لمجتمع الاستخبارات مايكل اتكنسون اتخذ القرار الصحيح عندما أوصى بالكشف عن شكوى المبلغ إلى الكونغرس، علما أن مثل تلك الإحالة هي ضمن صلاحياته بحكم القانون، ومهما يكن من أمر فإن مدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة جوزيف ماغوير يعوق إحالة المفتش العام لمجتمع الاستخبارات مدعياً أنها لا تتضمن معلومات استخبارية "عاجلة" وانها تتعلق بمعلومات مميزة.

ومن المؤكد أنه في ظل الخلافات الحالية بين الإدارة والكونغرس والتوسع في التحقيقات في سلوك ترامب، ستظهر المزيد من تصريحات الإنكار من البيت الأبيض، بالإضافة الى الازدواجية والتعطيل الى جانب الهجوم على مجتمع الاستخبارات. سيستخدم ترامب لتحفيز قاعدته الانتخابية من اجل حملة 2020 شكوى المبلغ لدعم ادعاءاته بان هناك "دولة عميقة" خرافية تحاول أن تستهدفه، وفي واقع الأمر وصف ترامب بالفعل المبلغ بأنه شخص حزبي وشكك في وطنية ذلك المسؤول.

إن اطلاق الإهانات يعكس حملة ترامب الأوسع القائمة على أساس استهداف الشخصيات والموجهة ضد مسؤولي الاستخبارات وتطبيق القانون السابقين، كما أن المهنيين العاملين حاليا في جهاز الاستخبارات لديهم أسباب جيده لتوقع أنه سيستهدفهم مجددا قريبا.

وكراهية ترامب لوكالات الاستخبارات سيكون لها ابعاد طويلة المدى على الأمن القومي الأميركي، فوظيفة مدير الاستخبارات الوطنية وهي أعلى وظيفة استخبارية بالبلاد لا تزال شاغرة، علما أن التجارب السابقة تشير الى أن المزيد من كبار المسؤولين سيغادرون مناصبهم قبل انتخابات 2020 مما سيترك المزيد من الوظائف الشاغرة، وبالإضافة إلى ذلك سعى ترامب إلى ملء مناصب الأمن القومي الرئيسة بأشخاص ثانويين مخلصين سياسيا له، مثل جون راتكليف وهو عضو مبتدئ بالكونغرس والذي تم سحب ترشيحه لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية بعد الكشف عن تزوير سيرته الذاتيه. وحملة ترامب 2020 الانتخابية ستجعل الأمور أسوأ بالنسبة إلى مجتمع الاستخبارات، فترامب الذي يسعى بشدة إلى إظهار قوته وإنجازته سيكون أقل حذراً فيما يتعلق بالمعلومات السرية، ففي سنة 2017 عرّض ترامب عملية استخبارية اسرائيلية سرية في سورية للخطر وذلك من خلال التبجح عما يعرفه أمام زواره من الدبلوماسيين الروس، وفي الشهر الماضي استهزأ بإيران من خلال وضع صورة عالية السرية من قمر صناعي أميركي للتجسس ضمن تغريده له مع تعليقات مفصلة عن فشل إطلاق صاروخ في موقع تجارب إيراني، وقد سارع محللون من القطاع الخاص للإشارة بأنه سيكون لهذه الصورة قيمة عالية لخصوم الولايات المتحدة الأميركية.

إن قرار البيت الأبيض المبهم بحجز نحو 400 مليون دولار أميركي من المساعدات العسكرية التي وافق عليها الكونغرس لأوكرانيا في الوقت الذي كان البيت الأبيض يضغط على زيلنسكي هو فقط آخر الأمثلة على ذلك، لقد وصف ترامب تجارب كوريا الشمالية الحالية على الصواريخ القصيرة المدى بأنها غير ذات أهمية على الرغم من أن محللي الاستخبارات الأميركيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين ينظرون لتلك التجارب كدليل على قدرة كوريا الشمالية المتزايدة لشن هجمات ضد اليابان وكوريا الجنوبية.

قضية أوكرانيا تعطينا مؤشرا مبكرا على الكيفية التي سيتعامل بها ترامب مع الاستخبارات التي ستهدد إمكانية إعادة انتخابه، والتحقيق الرسمي للنائب العام ويليام بار في أصل تحقيق سنة 2016 في التدخل الروسي بالانتخابات هو مثال نموذجي لجهود البيت الأبيض في تخويف مسؤولي الاستخبارات، حيث يبدو أن البيت الأبيض يأمل أن هؤلاء المسؤولين لن يهتموا كثيرا بتحقيقاتهم المتعلقة بالتدخلات الروسية المستمرة. لقد حذرت وكالات الاستخبارات وتطبيق القانون الأميركية بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالية في تقرير رئيسي الشهر الماضي بأن الهجمات الروسية على انتخابات 2020 قد بدأت بالفعل، وإن مثل تلك النتائج تضع تلك الوكالات في خلاف مع ترامب والذي لا يزال يرفض الإقرار بأن الكرملين ساعد حملته الانتخابية سنة 2016. في التحليل النهائي فإن قدرة مجتمع الاستخبارات على أداء دوره الصحيح في ظل هذه الظروف ستعتمد على قادة الاستخبارات، فقد انقضى نحو نصف قرن تقريبا منذ أن قام مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق ويليام كولبي بفتح ملفات الوكالة لمحققي الكونغرس بعد مزاعم أنها اشتركت في تجسس محظور، وعلى الرغم من أن قراره كان مثيرا للجدل في ذلك الوقت، فإن هذا القرار حافظ على مجتمع الاستخبارات وذلك من خلال إنشاء نظام فعال للرقابة.

لقد اعتاد كولبي أن يحمل نسخة مصغرة من الدستور الأميركي معه في حله وترحاله، فوكالة الاستخبارات المركزية، حسب وجهة نظره، جزء لا يتجزأ من الديمقراطية الأميركية التي تعتمد على الضوابط والتوازنات، وإن هذه الرسالة هي إحدى الرسائل التي يمكن لمجتمع الاستخبارات أن يستمر في تقديمها بشكل واضح وعلني وبدون الخوف من الكشف عن الهوية الحقيقية لأي شخص.

* كينت هارينغتون

* كبير المحللين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية، ومسؤول استخبارات وطنية لشرق آسيا ومدير مكتب الاستخبارات في آسيا ومدير وكالة الاستخبارات المركزية للشؤون العامة.

«بروجيكت سنديكيت، 2019»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top