يرى خبراء نفطيون أن خطوة تعميق مستوى خفض الإنتاج المتوقعة إذا ما تم اتخاذها في اجتماع «أوبك» المزمع في ديسمبر المقبل، ستؤدي إلى امتصاص وفرة المعروض بشكل سريع ودفع السوق باتجاه التوازن والاستقرار.

وأكد بعض المراقبين للأسواق على أهمية الحوار الناجح، الذي جمع «أوبك» والصين مؤخراً، في إطار المشاورات المستمرة بين الدول المنتجة والمصدرة للخام وبين الدول المستهلكة، لافتين إلى أن الحوار كان مثمرا جدا وحقق الاهداف المرجوة منه، كونه عمد إلى دعم التفاهمات التي تساعد وتسهم في مواجهة تحديات السوق في المرحلة الراهنة، وخاصة المتعلقة بأمن الإمدادات والعمل على تحسين وإنعاش منظومة الطلب العالمية، وبخاصة في ثاني أكبر اقتصاد عالمي مستهلك للطاقة.

Ad

تراجع الأسعار

ويرى بعض المحللين النفطيين أن تأثير المخاطر الجيوسياسية محدود على الأسعار؛ بل أكدوا أن المخاوف من تراجع الاسعار تكمن في التباطؤ الاقتصادي وضعف توقعات نمو الطلب، التي كان لها التأثير الأكبر في السوق.

وأشار المحللون إلى أن «أوبك» مستمرة في بذل الجهود الكبيرة والواسعة لدعم الأسعار ومنع الانفلات في الهبوط الحاد وإيجاد علاقات مستقرة ومتوازنة بين العرض والطلب.

وأضافوا أن «أوبك» تواجه مزيدا من التحديات في السوق خلال الفترة الراهنة، خاصة في ضوء الارتفاع المستمر والمتلاحق في مستويات الإنتاج الأميركي، وبخاصة من النفط الصخري، حيث زاد حاليا إلى 12.6 مليون برميل يوميا ارتفاعا من 11.7 مليون برميل يوميا في بداية العام الحالي، لافتين إلى أن «أوبك» وحلفاءها قد يواجهون الأمر بمزيد من تخفيضات الإنتاج.

الحصص السوقية

من جانب آخر، أوضح بعض خبراء النفط أن منتجي الخام، منذ اتفاق «إعلان التعاون» فيما بينهم وبين بعض الدول المنتجة مثل روسيا، دائما ما يتحدثون عن رغبتهم في توازن الأسواق وتماسك الأسعار بالحد العادل، ولم يتحدثوا عن المحافظة على الحصص السوقية، التي باتت تواجه تغييرات جذرية.

وعلى الصعيد ذاته يشير البعض من المهتمين بالشؤون النفطية إلى أن الخروج من نفق الحرب التجارية المستعرة حاليا بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وهما أكبر اقتصادين في العالم، يحتاج إلى جهود كبيرة ورغبة قوية من الجانبين، خاصة مع صعوبة التغلب على آثار التعريفات التجارية بشكل فعال، والذي أسهم على نحو محوري في الحد من فرص النمو وانتعاش شركات الطاقة بصفة خاصة.

وأشاروا إلى أن الارتفاع المستمر في مستوى المخزونات الأميركية ومخزونات الطاقة بشكل عام يحمل كثيرا من المخاطر على الطلب.

وإذا كانت أسعار النفط قد تلقت دفعة إيجابية مهمة، بعد تقارير مفادها أن «أوبك» والمنتجين المتحالفين معها سيناقشون تعميق خفض الإمدادات في اجتماعهم المقبل، فإن ذلك الأمر من شأنه العمل على طمأنة السوق وإلى مرونة عمل المنتجين ورغبتهم في بقاء علاقة العرض والطلب في حالة توازن بشكل دائم، فضلا عن العمل على امتصاص تداعيات العوامل الخارجة عن أساسيات السوق.

حالة القلق

وبينما شهدت العقود الآجلة ارتفاعاً أكثر من 2% في الايام القليلة الماضية فإن ذلك برأي بعض الخبراء جاء ليكون انعكاسا لحالة القلق في السوق، بشأن توقعات الطلب العام المقبل.

ولفت البعض إلى أن التخفيضات الأعمق مطروحة منذ فترة على مائدة التفاوض بين المنتجين، إلا انها خلال تلك الفترة قد تكون حاجة ماسة وأكثر إلحاحا في ضوء ظروف السوق الراهنة، وفي ظل القراءة المستقبلية لتطورات الوضع بالأسواق في الأمد القصير.

من ناحية أخرى، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي، متنبئا بأن النمو الاقتصادي سينخفض إلى أضعف معدل له منذ الأزمة المالية في أواخر عام 2008.

في هذا الجانب، قال الصندوق إن الاقتصاد العالمي في حالة «تباطؤ مزمن»، ولن ينمو إلا بنسبة 3 في المئة خلال العام الحالي. وفي وقت سابق من العام الماضي، توقع الصندوق نموا بنسبة 3.9 في المئة لعام 2019.

وأوضح، في تقريره الأخير، أن «النمو لا يزال ضعيفاً بسبب ارتفاع الحواجز التجارية وزيادة التوترات الجيوسياسية»، مشيرا إلى أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستقلل بشكل إجمالي مستوى الناتج المحلي العالمي بنسبة 0.8 في المئة بحلول عام 2020.

وأضاف الصندوق أن هناك مشكلات محلية في الأسواق الناشئة -على سبيل المثال في الأرجنتين، إيران وتركيا- لكن العالم يواجه أيضا قضايا هيكلية، مثل انخفاض الإنتاجية وتغير التركيبة السكانية.

زيادة الإمدادات

وعلى الرغم من أن معظم المحللين يرون تفاقم مشكلة زيادة الإمدادات النفطية في العام المقبل على السوق، فإن عدة عوامل فشلت، في الواقع، في تحريك أسعار النفط إلى أعلى، حيث تتجاهل الأسواق واردات النفط الخام الصينية القوية لشهر سبتمبر، والتي تم الاعلان عنها بداية هذا الشهر، وكذلك التصعيد العسكري الناجم عن غزو تركيا للمناطق الكردية في شمال سورية؛ رغم أن سورية ليست منتجا مهما للنفط، لكن الاضطرابات في المنطقة يمكن أن تمتد إلى شمال العراق.

وفي الوقت نفسه، تراجع نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بصورة كبيرة هذا العام، منهيا أعواما من النمو الكبير، إذ انخفض عدد أبراج الحفر العاملة بشكل حاد قد يؤدي إلى انخفاض النشاط خلال ما تبقى من العام الحالي وإلى ضغوط تنازلية على نمو إنتاج النفط الأميركي عام 2020، ومع ذلك فإن الشركات الكبيرة لا تزال تعمل بأقصى سرعة.

ولعل بعضا من المحللين لايزالون يتوقعون نموا جيدا في إنتاج عدد من شركات النفط الصخري الرئيسية في الولايات المتحدة.

ويمكن أن يؤدي نمو إنتاج النفط الصخري الأقل من المتوقع إلى تشدد في ميزان العرض والطلب أكبر مما كان يعتقد من قبل.

ومع ذلك، حتى مع وجود مخاطر جيوسياسية كبيرة على الإمدادات في منطقة الشرق الأوسط وتباطؤ قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة، فشلت أسعار النفط في الارتفاع إلى مستويات عالية.

الاقتصاد العالمي

وبالنظر الى أن الاقتصاد العالمي الضعيف هو الشاغل الرئيس للأسواق في الوقت الحالي؛ فقد خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب على النفط مرة أخرى، مشيرة إلى ضعف الاقتصاد العالمي.

وفي أحدث تقرير لها لأسواق النفط، تتوقع الوكالة أن ينمو الطلب بمقدار مليون برميل يوميا فقط عام 2019 و1.2 مليون برميل يوميا عام 2020، وكلاهما يمثل مراجعات هبوطية بمقدار 100 ألف برميل يوميا من التقديرات السابقة.

ويعد هذا التخفيض الأحدث في سلسلة من التخفيضات في توقعات الطلب، حيث يستمر الاقتصاد الضعيف في إبطاء نمو الاستهلاك.

وعلى الرغم من خفض نمو الطلب، فإنه لا تزال لهجة وكالة الطاقة الدولية متفائلة نسبيا. حيث قالت الوكالة إن تخفيض نمو الطلب لعام 2019 كانت له علاقة بمراجعة بيانات 2018 أكثر من أي شيء آخر، وترى أن الطلب في تصاعد الآن، على الأقل مقارنة بالنصف الأول من هذا العام.

وفي هذا الجانب، تشير أرقام الوكالة إلى نمو الطلب على النفط في النصف الأول من عام 2019 بنحو 0.4 برميل في اليوم على أساس سنوي. لكنها ترى أن نمو الطلب يرتد بقوة في النصف الثاني من هذا العام إلى 1.6 مليون برميل في اليوم.

وتضيف الوكالة أن الأسعار المنخفضة قد تؤدي إلى زيادة الطلب.

وفي الواقع أنه على الرغم من أن الوكالة خفضت تقدير الطلب على النفط لعام 2019 إلى مليون برميل في اليوم فقط -وهو أضعف معدل نمو منذ أعوام- إلا أنها ربما لا تزال تبالغ في تقدير نمو الطلب بصورة عامة.

وفي هذا الجانب، أشار بنك ستاندرد تشارترد إلى أن «عدم وجود أي تخفيض كبير في توقعات وكالة الطاقة الدولية يثير الدهشة بصورة كبيرة، بالنظر إلى التنقيحات النزولية في أحدث تقرير عن توقعات الاقتصاد صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو جزء لا يتجزأ من نموذج توقعات الطلب لوكالة الطاقة الدولية».