انخرطت نقابات عراقية في موجة الاحتجاجات الثانية التي انطلقت الجمعة الماضية بتسع محافظات ضد الحكومة وأعلنت تنظيم اعتصامات والدخول في اضرابات عن العمل، فيما احتل طلاب ميادين وشوارع وشاركوا بالآلاف في التظاهرات المطالبة بالقضاء على الفساد بعدة مدن غير آبهين بتحذيرات السلطات.والتحقت نقابات مهن مختلفة بينها نقابتا المحامين والمهندسين بالاحتجاجات، رغم الإجراءات الأمنية التي تعرقل الوصول الى أماكن الاعتصامات والتظاهرات.
وأعلن الاتحاد العام لنقابات العمال اعتصامه ووقوفه مع المتظاهرين ومطالبهم، فيما دعا الكوادر النقابية والعاملين إلى التوجه لساحات التظاهر.
إضراب وتظاهرات
في موازاة ذلك، دعت نقابة المعلمين العراقيين، الهيئات التدريسية والتعليمية في البلاد، إلى إضراب عام حتى الأحد المقبل، تضامناً مع المتظاهرين.وحذر نقيب المعلمين عباس السوداني وزارة التربية من إصدار أي عقوبات ضد المضربين من الهيئات التدريسية.وتزامن ذلك مع نزول آلاف الطلاب إلى الشارع في مدن عدة من بغداد إلى البصرة في جنوب البلاد مروراً بالديوانية والناصرية، وهتف الطلاب: "لا مدارس، لا دوام، حتى يسقط النظام".وغداة دعوة وزير التعليم العالي قصي السهيل إلى "إبعاد الجامعات" عن الاحتجاجات، انتشرت قوات مكافحة الشغب في محيط الجامعات العراقية خاصة بالعاصمة التي شهدت مسيرات واعتصامات بعدة كليات للمطالبة بحل البرلمان وتشكيل حكومة مؤقتة وتعديل الدستور وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف الأمم المتحدة.وشهدت البصرة والديوانية والناصرية وديالي وبابل ومدن الحلة والسماوة والنجف والعمارة وبابل تظاهرات طلابية مماثلة.وجاء ذلك بعد يوم من تحذير القوات المسلحة باتخاذ "إجراءات عقابية شديدة إذا تم رصد أي حالة تعطيل متعمد" في المدارس والجامعات ومؤسسات الدولة.ولاحقاً، ذكرت السلطات أن 5 متظاهرين قتلوا في بغداد أمس وقررت فرض حظر تجول ليلي في العاصمة.بعقوبة والديوانية
وللمرة الأولى منذ انطلاق الحراك المطلبي مطلع أكتوبر الجاري، انضمن أمس، طلاب من مدينة بعقوبة، كبرى مدن محافظة ديالى شمال شرق بغداد والمتاخمة لإيران، إلى الاحتجاجات التي تجمهرت عند مبنى مجلس المحافظة الذي استقال اثنان من أعضائه تضامناً مع المحتجين.وفي الديوانية، أعلن المتظاهرون العصيان، ومنعوا موظفي دائرة الزراعة من الدخول لدائرتهم. وأصدرت محافظة كربلاء، بياناً جديداً أعلنت فيه "فرض حظر تجوال جزئي للطوق الثالث". وأكد البيان "تحديد ساحة التظاهر السلمي للوقت الحالي في فلكة التربية ولا يسمح بأي مكان آخر".وصباح أمس، توفي متظاهر في البصرة متأثرا بجراح تعرض لها، ليرتفع بذلك إجمالي قتلى الموجة الثانية من الاحتجاجات إلى 75.وبهدف مواجهة الأزمة التي شلت النظام السياسي، عقد البرلمان جلسة لبحث مطالب المحتجين، بعد فشله في تأمين النصاب عدة مرات خلال الأيام الماضية.وأعلن المجلس التصويت على إلغاء جميع امتيازات الرئاسات الثلاث والنواب والمسؤولين. كما صوت النواب لصالح تشكيل لجنة لتعديل الدستور.وفي وقت سابق، أفاد مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بأن التعديل الوزاري الذي وعد به الأخير جاهز وسيقدم بمجرد عقد جلسة برلمانية للتصويت عليه.وعقدت الجلسة بعد يوم من إعلان 4 نواب تقديم استقالاتهم من البرلمان مساء أمس الأول رفضاً لأداء الطبقة السياسية التي يتهمونها بـ"الفشل" في الاستجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية.واستقال النائبان الشيوعيان الوحيدان اللذان حصلا على مقعديهما ضمن ائتلاف "سائرون"، الكتلة الأكبر في المجلس بزعامة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وهما رائد فهمي وهيفاء الأمين، إضافة إلى طه الدفاعي ومزاحم التميمي من قائمة "النصر" التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.ولوحت "سائرون" بتقديم استقالة جماعية من المجلس، مؤكدة أن "من أولوياتها إقالة الحكومة وتعديل قانون الانتخابات وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة وإقرار الموازنة ثم حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات مبكرة بإشراف أممي".في موازاة ذلك، تقدم أعضاء مجالس المحافظات عن الحزب "الشيوعي"، باستقالاتهم من مناصبهم "استجابة لمطالب الجماهير وإرادة الناخبين"، معتبرين أن التغيير الجذري بات ضرورة ملحة.وكان الحزب طالب، الأربعاء الماضي، باستقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة "بعيداً عن نظام المحاصصة ومنظومة الفساد". كما تقدم 5 أعضاء بمجلس النجف، باستقالتهم.في هذه الأثناء، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، "الحشد الشعبي" إلى "عدم مناصرة الفساد في الحكومة وعدم المشاركة بقمع الشعب" في ظل تضافر الجهود لإزاحة الفساد. وخاطب الصدر فصائل "الحشد" المقربة من إيران بالقول: "إنكم حماة الشعب وأمثولتهم في الجهاد"، مؤكداً أن "سلاح الحشد ما زال موجهاً لداعش ولن يكون ضد الشعب".وخلال الاحتجاجات التي ارتدى بعضها طابعاً عنيفاً، هوجمت مقار أحزاب ومجموعات مؤيدة لطهران، وأطلقت هتافات مناهضة لطهران.استدعاء وزيرين
من جانب آخر، اصدر قاضي بمحكمة جنايات مكافحة الفساد في الرصافة قراراً باستدعاء وزيرين في الحكومة السابقة وأعضاء في مجلس النواب حالياً لاستجوابهم بتهمة هدر المال العام.على صعيد قريب، أصدرت دائرة تحقيقات الحلة أمر قبض بحق رئيس مجلس محافظة بابل بعد اتهام متظاهر له بالتسبب في الاعتداء عليه.في السياق، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس في بيان تلقت "الجريدة" نسخة منه على أن "الولايات المتحدة تراقب الوضع في العراق عن كثب وتدعو كل الأطراف إلى نبذ العنف". وأعربت عن الحزن لسقوط ضحايا وتمنت الشفاء العاجل للمصابين. وأشارت إلى قلق واشنطن البالغ "إزاء الإقفال القسري لوسائل الإعلام والضغط باتجاه فرض الرقابة على التقارير بشأن الاحتجاجات". وجددت دعم الولايات المتحدة لـ"الحكومة العراقية والشعب العراقي وأمن واستقرار وسيادة".من جهتها، أعربت بعثة "الاتحاد الأوروبي" في العراق عن قلقها إزاء العنف الذي يرافق الاحتجاجات، داعية الحكومة إلى محاسبة جميع المتورطين بارتكاب الانتهاكات.هل سمح السيستاني لطلاب الحوزة بالتظاهر؟
تداول صحافيون، أمس، أنباءً عن إصدار مكتب المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني، تعميماً بتعطيل معظم دروس الحوزة العلمية في النجف لهذا الاسبوع، والسماح لطلبة العلم بالمشاركة في التظاهرات.وجاء في نص التعميم المتداول: "نظرا للاحداث التي يمر بها بلدنا فقد تم تعطيل معظم دروس الحوزة العلمية في النجف الأشرف لهذا الأسبوع". وأضاف: "المرجع الأعلى سمح لطلبة العلم- علوم حوزوية بالمشاركة والتظاهرات شرط عدم ارتداء الزي الرسمي لطلبة العلم".
فصائل «الحشد» تصعد: جاهزون لـ«بذل الدماء»
دعا نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبومهدي المهندس، القوى السياسية إلى مساندة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، لتحقيق مطالب المتظاهرين المشروعة، مؤكداً استعداد "الحشد" للوقوف ضد "الفتنة التي تريد تدمير العراق ومنجزاته".من جانبه، قال الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، إن "الدماء التي سقطت كشفت أن هناك أطرافاً خارجية تريد بالبلاد السير للاقتتال الداخلي، والحشد الشعبي على استعداد لبذل مزيد من الدماء للحفاظ على أمن البلاد".