مع اتساع رقعة الاحتجاجات المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية في العراق والمستمرة منذ بداية الشهر الجاري رغم سقوط نحو 250 قتيلاً، شكك رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي بالدعوات إلى إجراء انتخابات مبكرة، رامياً كرة استقالته في ملعب القوى السياسية بشكل خاص مقتدى الصدر وهادي العامري زعيمي أكبر كتلتين نيابيتين.

وقال عبدالمهدي، رداً على دعوة الصدر الذي يرعى كتلة "سائرون" له بالاستقالة والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، إن "أفضل طريق لتغيير الحكومة الحالية هو حصول اتفاق بين الأخير وزعيم كتلة "الفتح" البرلمانية هادي العامري على تغيير الحكومة من دون الذهاب إلى انتخابات مبكرة مجهول أمرها.

Ad

وأضاف في رسالة إلى الصدر: "إذا كان هدف الانتخابات، تغيير الحكومة الحالية فهناك طريق أكثر اختصاراً وهو أن يتفق سماحتكم مع الأخ العامري لتشكيل حكومة جديدة، وعندها يستطيع رئيس مجلس الوزراء تقديم استقالته، وتسلم الحكومة الجديدة مهامها خلال أيام إن لم نقل ساعات من تحقق الاتفاق".

وتابع: "أعتقد أن الكتل السياسية ستتعاون بشكل واسع لتحقيق التصويت اللازم، أما الانتخابات المبكرة فمجهول أمرها، فمتى سيتسنى إجراؤها، وهل سيتم الاتفاق على كامل شروطها وهل ستأتي نتائجها حاسمة وغيرها من أمور قد تتركنا أمام مجاهيل كبيرة".

وذكر: "طالبتني بالذهاب إلى مجلس النواب والإعلان من تحت قبته لانتخابات مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة ومفوضية جديدة، وأنني أشكرك فمن حق أي قائد وأي مواطن أن يطالب رئيس الوزراء بما يراه مصلحة وطنية وقد يكون المقترح المقدم أحد المخارج للازمة الراهنة".

وأوضح: "قد تأتي نتائج الانتخابات حاسمة بالتالي يمكن تشكيل حكومة أغلبية سياسية واضحة تتمتع بدعم برلماني واضح، وقد يساهم الحراك الشعبي نتيجة التظاهرات الأخيرة في مشاركة واسعة من الشباب بالانتخابات المقبلة، وقد تقود التعديلات الدستورية والاصلاحات المطروحة لتغيير كامل للمناخ السياسي في البلاد ويحدث تجديداً في القوى السياسية الحاملة لمشروع المرحلة المقبلة".

لكن عبدالمهدي الذي تسلّم السلطة قبل عام فقط حذر في الوقت نفسه من "فراغ قد يحدث في السلطة في حال تحولت الحكومة إلى تصريف أعمال"، مؤكداً أنه ليس بالإمكان إجراء انتخابات عامة مبكرة قبل أن يحل البرلمان نفسه.

في غضون ذلك، صوت مجلس النواب لمصلحة استضافة رئيس مجلس الوزراء خلال جلسته ومد أمد الجلسة لحين حضوره بهدف مناقشة مطالب الاحتجاجات والأحداث الدامية التي ترافقها في نحو 9 محافظات تتركز في وسط وجنوب البلاد.

أحداث كربلاء

وجاء ذلك في وقت أفادت مصادر طبية وأمنية بأن قوات الأمن قتلت 15 شخصاً خلال قيامها بفض اعتصام غير مرخص في مدينة كربلاء بعدما فتحت النار باتجاه المحتجين، في عودة لأساليب شجبها تحقيق داخلي أجرته الحكومة.

وذكرت المصادر أن 865 شخصاً أصيبوا، لكن رئيس دائرة الصحة في كربلاء قال إن 122 شخصاً أصيبوا منهم 66 من أفراد قوات الأمن.

في المقابل، نفى قائد شرطة كربلاء في بيان مقتل أي متظاهر، وقال إن شخصاً واحداً توفي في واقعة جنائية لا علاقة لها بالاحتجاجات كما وصف لقطات مصورة لقوات الأمن وهي تطلق النار على المتظاهرين وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها ملفقة والهدف منها تحريض الشارع.

واعتبر محافظ كربلاء، نصيف الخطابي، أن الفيديوهات التي انتشرت على أنها من المدينة مفبركة، مؤكداً عدم سقوط أي قتيل ليل الاثنين ـ الثلاثاء.

وفي بغداد، تحدى المتظاهرون حظر التجول الليلي الذي فرضته السلطات في العاصمة، واحتشدوا صباح أمس بعد يوم احتجاجي شهد توافد آلاف الطلاب إلى شوارع مدن عدة في العراق، في إطار التظاهرات المتواصلة في البلاد، غير آبهين بتحذيرات السلطات عند المنطقة الخضراء شديدة التحصين.

وفي النجف، انضم زعيم التيار الصدري، الذي دعم ائتلاف عبدالمهدي الهشّ في الوصول للسلطة، إلى آلاف المتظاهرين لأول مرة وشارك بالاحتجاجات.

وقبيل ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الصدر قدم إلى النجف على متن طائرة آتية من إيران.

وتظاهر آلاف العراقيين في الشوارع منذ الجمعة الماضية في إطار موجة ثانية من الاحتجاجات المناهضة لحكومة عبدالمهدي ولنخبة سياسية يقولون إنها فاسدة وبعيدة عن أرض الواقع، كما شهدت التظاهرات احراق مقار لأحزاب ومليشيات تابعة لـ"الحشد الشعبي" ومدعومة من إيران.

في هذه الأثناء، دعت وزارة الخارجية الإيرانية المواطنين الإيرانيين، وزوار العتبات، إلى الامتناع عن السفر إلى العراق، بسبب الاضطرابات الأخيرة، في ظل تنديد المتظاهرين العراقيين بالتدخل الإيراني في شؤون بلدهم.

وذكرت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان: "في الوقت الذي نعيد فيه تقديرنا لحسن ضيافة الحكومة العراقية، وشعب العراق، أثناء زيارة أربعين الحسين، فإننا ندعو المواطنين وزوار العتبات إلى تأجيل سفرهم إلى العراق حتى إشعار آخر، بسبب الاضطرابات الأخيرة".

وكان متظاهرون عراقيون رفعوا شعارات ضد النفوذ الإيراني في العراق، ومنها: "إيران برا برا... بغداد تبقى حرة".

كما قتل مجهولون عناصر بارزة من تنظيم "عصائب أهل الحق" المقرب لإيران. وقام متظاهرون في الوقت نفسه برفع العلم العراقي على القنصلية الإيرانية في كربلاء.

انزعاج عربي

في السياق، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط عن الانزعاج والأسف من تصاعد العنف وتساقط الضحايا الذي صاحب التظاهرات في العراق والتي انطلقت منذ الأول من أكتوبر الجاري، معرباً عن تعازيه لأسر الضحايا وتمنياته بالشفاء العاجل للجرحى.

ورأى أبوالغيط أن الأزمة الحالية تتطلب التحلي بضبط النفس واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالاستجابة للمطالب الشعبية.

كما أكد استعداد الجامعة للقيام بالمسؤولية المنوطة بها تجاه العراق وشعبه ودعم كل ما من شأنه الحفاظ على استقراره ولحمته الوطنية.