سادس دستور لـ«سوريا» خلال 100 عام

• الأول في عام 1920 وآخره في 2012

نشر في 30-10-2019 | 14:53
آخر تحديث 30-10-2019 | 14:53
جلسات اللجنة الدستورية السورية تنطلق قصر الامم المتحدة في جنيف
جلسات اللجنة الدستورية السورية تنطلق قصر الامم المتحدة في جنيف
• ولد في عهد الملكية وتأرجح بين الهوية الدينية والقومية من بعد الإستقلال
تتجه انظار المجتمع الدولي اليوم الاربعاء الى قصر الامم المتحدة في جنيف حيث تنطلق اولى جلسات اللجنة الدستورية السورية بعد جهد جهيد من الامم المتحدة والدول المعنية بالازمة السورية كخطوة اولى نحو حل لهذا البلد الذي انهكته ثماني سنوات ونصف السنة من الحرب.

وفي تاريخ سوريا الحديث تمت صياغة خمسة دساتير اولها كان في عام 1920 وآخرها في عام 2012 وقد يكون الاخير مرجعية عمل اللجنة الدستورية الحالية كما قد تكون الدساتير السورية السابقة له ايضا مرجعا اثناء صياغة الدستور الجديد.

وضم دستور سوريا الاول 12 فصلا و147 مادة وهو الصادر عام 1920 وكان ينص على ان البلاد دولة ملكية نيابية مدنية دينها الاسلام وعاصمتها دمشق وكفل المساواة بين جميع السوريين وحرية انشاء الجمعيات والاحزاب والمشاركة في النشاط السياسي والاقتصادي.

كما نص ذلك الدستور على تجريم التعذيب والاعتقال التعسفي والحرية الدينية ومنع النفي والعقاب دون محاكمة واعمال السخرة والمصادرة.

في المقابل ابقى هذا الدستور حق تشكيل الوزارة في يد الملك على ان تكون اصدار القرارات من صلاحيات رئيس الوزراء مع انتخاب برلمان من غرفتين واحدة للنواب واخرى للشيوخ.

لكن الاحتلال الفرنسي الذي باغت سوريا في العام ذاته ابطل عمل هذا الدستور لاسيما بعد نفي الملك فيصل الأول بن حسين بن علي الهاشمي ملك سوريا وقتها وقام الاحتلال الفرنسي بوضع قانون عام لحكم البلاد وفق منظوره.

وقام الاحتلال الفرنسي بتقسيم سوريا الى دويلات متفرقة لكن السوريين رفضوا هذا التقسيم والتفرقة بين المناطق السورية حيث تبلور هذا الحراك في عام 1925 ولم يقبل السوريون بهذه التفرقة وسعوا الى توحيد البلاد مجددا ما ادى الى اندلاع (الثورة السورية الكبرى) من السويداء وكان على رأس مطالبها وحدة البلاد وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور.

واحبط الاحتلال الفرنسي هذه الثورة بتوجهاتها على امل استمرار سياسته المهيمنة على الشام مناصفة مع الاحتلال البريطاني الى ان تمكن الشيخ تاج الدين الحسني في عام 1928 من الدعوة لانتخابات جمعية تأسيسية لتشكيل دستور سوري جديد شاركت في صياغتة كافة القوى الوطنية آنذاك بمن فيها مؤيدو الانتداب الفرنسي.

واعتبر دستور 1930 سوريا "جمهورية نيابية عاصمتها دمشق ودين رئيسها الاسلام" وان "سوريا المنفصلة عن الدولة العثمانية هي وحدة سياسية لا تتجزأ ولا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها بعد الحرب العالمية الاولى".

وظل دستور 1930 سائدا مع تعديلات من حين الى آخر حتى وقع انقلاب مارس 1949 العسكري بقيادة حسني الزعيم على الحكم المدني برئاسة شكري القوتلي وتم تعليق العمل بالدستور مع الاعلان عن تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد.

وفي خضم هذه المتغيرات المتلاحقة تم تشكيل لجنة لوضع دستور جديد للبلاد في عام 1950 ضمن مشاركة المرأة السورية للمرة الاولى في الاقتراع واستندت اللجنة الى 15 دستورا اوروبيا وآسيويا للوصول الى معاير دستورية قياسية.

ومن ابرز النقاشات التي اثيرت حول هذا الدستور هو دين الدولة ودين رئيسها وعلاقة الجيش بالسياسة وتحديد سقف الملكية الزراعية للقضاء على الاقطاع.

ووصف المؤرخون هذا الدستور بأنه "دستور الاستقلال" اذ احتوى على بنود تضمن حرية الرأي والصحافة والحق في محاكمات عادلة والمشاركة في الحياة الاقتصادية وتأطير الملكية العامة للدولة وحماية حقوق الفلاحين والعمال على وجه الخصوص.

وتعطل العمل بهذا الدستور اثر انقلاب عام 1952 على يد أديب الشيشكلي ثم اصدر دستورا جديدا تميز بوصفه اول دستور رئاسي للبلاد شبيه بالنظام المعمول به في الولايات المتحدة الامريكية مع اضافة دور الفقه الاسلامي في التشريع وكون البلاد جزءا من الامة العربية.

ولم يستمر العمل بهذا الدستور سوى عامين فقط ثم تم خلع الشيشكلي في 25 فبراير 1954 واعيد العمل بدستور 1950 الذي تعطل العمل به في الفترة ما بين عامي 1958 و1961 خلال الوحدة مع مصر في الجمهورية العربية المتحدة.

ومع استيلاء حزب البعث على الحكم في سوريا شكل حافظ الاسد لجنة لصياغة "دستور دائم للبلاد" تم اعتماده بالتصويت المباشر عام 1973 وكان دستورا قوميا بامتياز فرض فكر حزب البعث على الدولة ونص على وجوب كون الرئيس "عربيا سوريا" مستبعدا كافة الاقليات العرقية من فرصة الوصول الى هذا المنصب.

كما اعلن هذا الدستور احتكار حزب البعث للحياة السياسية في سوريا كحزب قائد للدولة والمجتمع وان السياسة الاقتصادية للدولة هي سياسة اشتراكية تقوم على القطاع العام بشكل اساسي.

ومع اندلاع الاحتجاجات في سوريا فيما يسمى ربيع عام 2011 بدأت المطالب ترتفع لتعديل الدستور والتي استجاب لها بشار الاسد عبر تشكيل لجنة لاعادة صياغة دستور 1973 دون مشاركة المعارضة.

وفي 15 فبراير عام 2012 تم اعتماد الدستور الجديد لكنه لم يلب تطلعات المعارضة السورية وكان من بين قرارات مجلس الامن التابع للأمم المتحدة رقم 2245 صياغة دستور سوري جديد.

وتعهدت كل من تركيا وايران وروسيا بتهيئة الاجواء لتشكيل اللجنة الدستورية التي تبدأ اعمالها اليوم ب 150 عضوا بنسبة الثلث لكل من الحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني.

ويتطلع السوريون والمجتمع الدولي الى مسار عمل اللجنة وما ستتوصل اليه في ملفات حساسة مثل رئاسة الدولة ومكانة الدين فيها وعدم تهميش الطوائف الدينية والعرقية ومنح المرأة حقها في العمل السياسي وبقية المجالات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء.

لكن العقبة وفق مراقبين هي في الفصول المتعلقة بملفات المعتقلين والمختطفين وكيفية جبر من وقع عليهم الضرر من تلك الممارسات وكيفية التعامل مع انتهاكات حقوق الانسان كافة التي وقعت في سوريا منذ عام 2011 والتي لا تسقط بالتقادم وفق القانون الدولي.

ويرى مراقبون ان عدم وجود سقف زمني محدد لعمل اللجنة الدستورية هو سلاح ذو حدين اذ من ناحية سوف يفسح المجال للتدقيق في الكثير من البنود والمواد والاستفادة من خبرات الامم المتحدة بينما يمكن ايضا ان تؤدي اطالة وقت صياغة الدستور الى فشل هذه الخطوة الوحيدة التي تم التوافق عليها بشأن مسار الحل السياسي.

back to top