د. الشطي... يدافع عن العلمانية
يؤكد د. إسماعيل الشطي أن الصراع مع أعداء الإسلام غير متكافئ، فالشعوب الإسلامية تعيش حالة انحطاط متتابع لا يتوقف، ولولا مشيئة الله في جعل النفط تحت أراضيها لأصبحت على هامش العصر.
تحدث الكاتب الإسلامي الكويتي د. إسماعيل الشطي قبل سنوات في العديد من قضايا التيار الديني وهمومه، وذلك في مقابلة صحافية مع مجلة "المعرفة" الشهرية السعودية، نشرت في العدد (100) بعنوان مثير يقول: "فقهاء اليوم لا يملكون الثقة بأنفسهم". (رجب 1424هـ - 2003م).انتقد د. الشطي رفض الإسلاميين والمسلمين عموما للعلمانية والديمقراطية، وقال: "إذا كانت العلمانية وسيلة لإلغاء الدين فهي بالحتم شر لا مصالحة معه، ولكنها إذا كانت وسيلة لحقن دماء الناس بسبب الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية فهي هنا ليست شراً". وانتقد أنصارها العرب من معتنقي العلمانية في الدول العربية والإسلامية لأنهم "يسيئون إليها بتقديمها لنا على أنها ندّ ونقيض للدين، وهي ليست كذلك".وطرح د. الشطي رأياً جريئاً، فشرح أن العلمانية عقيدة الدولة الحديثة، وإطار عصري لتحديد المواطنة باعتبار كل إنسان من رعايا الدولة مواطناً له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات دون أي اعتبار للاختلافات الطائفية أو الدينية والإثنية، وقال: "أي جماعة إسلامية لا تملك إلا أن تصبح علمانية عند وصولها للحكم في أية دولة معاصرة، بمعنى أنها لن تمنح جنسيتها وفق العقيدة بل وفق الانتماء للرقعة الجغرافية".
وأضاف موضحا: "ألا ترى أن إيران- بعد ثورة 1979- امتنعت عن منح الجنسية الإيرانية لغير الإيرانيين من مؤيديها الشيعة، وكذلك السودان فعل الشيء نفسه، أي أن العقيدة لم تكن معياراً للانتماء للكيان السياسي، وهذا هو جوهر العلمانية".وانتقد د. الشطي التمييز الجاري في إيران بين المواطنين، وقال إن "الدستور الإيراني لا يحرم المواطنين غير المسلمين من تولي بعض المناصب، بل إنه كذلك يحرم المواطنين المسلمين من غير المذهب الجعفري، وهذا إخلال بمبدأ العدالة، لذلك تبقى العلمانية أكثر عدالة في الدولة- القوم".وقال شارحاً ما اعتبره ورطة عامة للإسلاميين، "إن العقدة المحيرة التي تواجه الإسلاميين عند مواجهة مسؤوليات حكم في أي قطر معاصر هي الجمع بين النظرية العلمانية للأمة والنظرية الإسلامية للأمة". وقال إن العلمانية تنظر للرقعة الجغرافية "بينما الأمة في الإسلام هي من ارتضت أن تعيش في ظلال عقيدة ما، وعليه فإن أي جماعة إسلامية تتصدى للحكم ستجد أمامها أمراً واقعاً لا يسهل تغييره". وقال إن الفقه الإسلامي يعاني حاليا من الجمود، و"أزمة الفقه المعاصر أن رجاله لا يملكون الثقة المطلوبة بأنفسهم". واعتبر أن جمود الفقهاء واضح في تجريدهم "لمسائل عصرنا من إطارها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المعاصر، والبحث عما يماثلها من مسائل وقعت في عصور ذات أطر مخالفة". ففقهاء اليوم يستعرضون آراء أئمة المذاهب والفقهاء القدماء، ويرون صحة ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة الأقدمون، ولكن "لا أحد يملك الجرأة للنظر في النصوص مباشرة". التحدي أمام الفقيه أو المجتهد المعاصر في اعتقاد د. الشطي، أكثر من امتلاك العقلية المجددة أو الشجاعة الاجتهادية! يقول د. الشطي: ليت الخلل في النظر إلى النصوص مباشرة، إنما الخلل في تجريد المسائل في الفقه الموروث عن أطرها الخاصة بظروفها، "إذ إن الذين أفتوا منذ قرون كانوا يفتون في ظل مجتمعات تضع الإسلام مرجعيتها الأساسية وليس جزءا من المرجعيات كما هو اليوم وبالأخص في الجانب السياسي". وهؤلاء الفقهاء لا يدركون أن ذلك الفقه قد لا يكون ملائما اليوم، وأن هناك شكلا سياسيا جديدا لم يعشه "مالك" و"الشيباني" و"ابن حزم" وغيرهم. وأوجد هذا الشكل نظاما اجتماعيا مستحدثا لا تغيب عنه كثير من قيم الإسلام، لكنه بالحتم ليس هو النظام الاجتماعي السائد آنذاك، وأن المسلمين لم يعودوا ذوي شوكة، فهم مستضعفون ومغلوبون على أمرهم، ففقه الغلبة لم يعد ممكناً في حقبة الضعف والمسكنة، فضلا عن أن الوعي البشري بالقيم السياسية بات متطوراً، ولم يعد ممكناً ذاك التفسير الذي قدمه العلماء بتلك العصور لمعاني الحرية والعدالة والمساواة والشورى.وهنا يدعو د. الشطي مجتهدي هذا العصر إلى قراءة النصوص القرآنية والحديث في ضوء واقع زماننا، ويقول: "لابد من العودة إلى النصوص المقدسة والشريفة للنظر فيها من جديد، وفق النضج الذي وصلت إليه البشرية في احترام حقوق الإنسان".وينتقد د. الشطي تصلب بعض الدعاة، ويقول: "فالداعية يعجبه كثيرا أن يثق الناس به وبأقواله، فإذا ما جاء أحدهم ليهز الثقة بأقواله ويعجز أن يحاججه يلجأ إلى الهجوم على مخالفيه عبر إطلاق أحكام الإدانة الدينية، كقوله هذا ضال أو زائغ أو زنديق أو علماني وغيرها من ألفاظ الإدانة، بعضهم ينزعج كثيراً لأي تفسير يخالف تفسيره، ويحدث أثراً اجتماعيا أو سياسيا مغايرا لما يراه. فمن وجهة نظر هذا الداعية أن ما يراه أولئك الدعاة يرون أن جماعتهم هي جماعة الإسلام وأن رؤيتهم للإسلام هي الإسلام، وأن منهجهم هو درب النجاة". ولكن د. الشطي يحذر من التعجل في الإفتاء.ويقول د. الشطي، "ليس كل من حصل على إجازة جامعية من كلية الشريعة حق له التصدي للإفتاء فخريجو الحقوق لا يترافعون بمجرد تخرجهم، ولا أحد يغامر بتقديم جسده لإجراء عملية جراحية يقوم بها خريج حديث".ويضيف أن الذين يتصدون للفتوى اليوم لا يملكون سوى قدرة الخطابة والوعظ، وهي تدفع كثيرا من الجماهير لمنح الثقة الدينية للواعظ والخطيب دون إدراك عدم قدرته على الفتوى".ولا تكمن المشكلة في النصوص الدينية وكيفية تفسيرها فحسب، إذ يلاحظ د. الشطي قائلا: "إن فتوى اليوم لا تستدعي فهما وخبرة وممارسة شرعية فقط، بل كذلك إلماماً بطبيعة المنظومات القائمة من اقتصادية وسياسية واجتماعية وإعلامية وغيرها. لقد حضرتُ يوماً مؤتمرا إسلاميا فقهيا يتناول إيرادات الدولة المالية ومشكلات العجز في الموازنات العامة، غير أني وجدت بحوثاً تتحدث عن العشور والخراج والفيء وغيرها من مصطلحات مالية كانت سائدة في نظام سياسي مختلف، المشكلة أن هذه هي بضاعة كثير من المتصدين للفتوى، لا أحد منهم يتجرأ لكي يطلب الالتحاق بدورة تدريبية أو ورشة عمل حول الاقتصاد المعاصر أو التأثير الإعلامي على الناس. المتصدون للفتوى يرون ذلك تقليلا من شأنهم ولذلك يبقون على جهل في مثل هذه المسائل".ومن مشاكل الشعوب الإسلامية كذلك، في اعتقاد د. الشطي، أنها "غير قادرة ولا مستعدة لاستيعاب لغة الصراع مع الغرب" الجهاد صار في قاموسنا مقتصراً على "القتال في سبيل الله، ولذلك ارتبطت علاقاتنا مع الآخر بالحذر والتربص والصراع، وهذا فهم ظل يتجذر في العقل المسلم منذ عصر الفتوحات الأولى، وطغى على الطبيعة الأساسية لعلاقة المسلم بالآخر". والذي يزيد من خطورة هذا الوضع ويعقد هذا الموقف، في تحليل د. الشطي، "أن الصراع مع أعداء الإسلام غير متكافئ، فالشعوب الإسلامية تعيش حالة انحطاط متتابع لا يتوقف، ولولا مشيئة الله في جعل النفط تحت أراضيها لأصبحت على هامش العصر".ثمة اضطرابات أخرى في فهم المسلمين لزمانهم في اعتقاد د. الشطي سنتحدث عنه لاحقا!
د. الشطي يلاحظ أن فتوى اليوم تستدعي إلماماً بطبيعة المنظومات القائمة من اقتصادية وسياسية واجتماعية وإعلامية