ضرورة اعتراف الاتحاد الأوروبي بعدوانية السلوك الإيراني
ربما لم يتم طرح أي مؤشر لتشجيع النظام الإيراني على المضي في جرائمه أكثر من تغاضي المجتمع الدولي عن المجزرة التي مر عليها ثلاثة عقود، واستهدفت مجموعة من السجناء السياسيين في إيران، وإذا أخفق صناع السياسة في أوروبا في إصلاح هذا الخلل فلن يكون في مقدورهم بعد ذلك الادعاء بحماية حقوق الإنسان في العالم.
عقد نشطاء الحركة الديمقراطية الإيرانية مؤتمراً صحافياً في شهر يوليو الماضي من أجل ابراز «الدعوة الى العدالة» لضحايا المجزرة التي مر عليها ثلاثة عقود، واستهدفت مجموعة من السجناء السياسيين في إيران، وربما يكون من الصعب بالنسبة الى بعض القراء الغربيين أن يتخيلوا مرور أكثر من ثلاثين سنة على قتل 30 ألف سجين سياسي من دون أن تتم مساءلة أحد عن تلك المجزرة.ولكن ذلك على وجه التحديد الوضع الذي يحرك هذه الدعوات لتحقيق العدالة، وهو وضع يستمر بصورة واسعة بسبب صمت الحكومات الغربية والتاريخ الطويل لقسوة وعنف قادة إيران الذين يجنون الفوائد من السياسات التي اتسمت بالتهدئة والتقارب، والتي شجعت طهران على المضي في سلوكها الإقليمي الشائن، وتحويل المواطنين الإيرانيين مزدوجي الجنسية وحتى الأوروبيين الى رهائن.وفي مؤتمر شهر يوليو المشار اليه قالت مريم رجوي وهي رئيسة المجلس الوطني للمقاومة في إيران إن المجتمع الدولي قد تم إطلاعه على المذبحة عندما كانت في مراحلها الأولية، وإن المقاومة الإيرانية سعت الى الحصول على ردة فعل في هذا الشأن وخصوصاً من الحكومات الغربية التي التزمت الصمت، ولم تتخذ أي خطوة في هذا الصدد، وأضافت أن جرائم النظام في إيران «وصلت الى مستويات أعلى خلال مجزرة عام 1988 واستمرت حتى يومنا هذا»، في حين كان المجلس الوطني للمقاومة في إيران يتابع جهوده من أجل تركيز اهتمام المجتمع الدولي على الجرائم التي كانت ترتكب ضد الإنسانية والكثير من الانتهاكات المعروفة لحقوق الإنسان في إيران.
المواقف الأميركية والأوروبية
وفي حقيقة الأمر فقد لاحظت السيدة رجوي أن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين شرعوا بتقديم حصانة لنظرائهم الإيرانيين في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وكان على العالم أن يستجيب بقدر أكبر لتلك الرسالة التي تدين السلوك الإيراني، ولكن، بطريقة ما، لم يتمكن ذلك السلوك من التغلب على تفاؤل العالم الغربي المضلل حول احتمال تحقيق إصلاح سياسي في الداخل الإيراني، والذي ظهر بصورة جلية في أعقاب انتخاب الرئيس حسن روحاني في عام 2013 والذي مهد السبيل أمام توقيع إيران الاتفاق النووي المعروف، أو الخطة الشاملة المشتركة للعمل بعد عامين فقط.وليس من الواضح على أي حال ما إذا كانت الدول الأوروبية التي تفاخر بالدفاع عن حقوق الإنسان تعتقد أن الرئاسة «المعتدلة» قد تؤدي الى تحقيقات محلية في الجرائم التي مرت من دون عقاب لفترات طويلة، ويبدو أنه بعد مرور كل ذلك الوقت على المجزرة رأى صناع السياسة في أوروبا أن إثارتها غير مناسبة على شكل إجراء يستهدف النظام الإيراني. ومن الطبيعي أن تلك النظرة تناقض التزام أوروبا بالدفاع عن حقوق الإنسان، كما أنها تتجاهل حقيقة أن تلك المجزرة تظل ذات معنى بالنسبة الى ضحاياها وأقاربهم، وليس من المحتمل أن يتجاهلوا مطالبهم بتقديم المسؤولين عنها الى المحاكمة وخاصة عندما يحرمهم الصمت من فرصة تحقيق العدالة.جرائم الماضي
ولكن مع عمل المجلس الوطني للمقاومة في إيران كل ما في وسعه من أجل إثبات قيام النظام الإيراني بإخفاء مزيد من الأدلة على الجرائم التي ارتكبها في الماضي تبرز مجموعة من البراهين التي تمثلت في اكتشاف قبور جماعية عن طريق نشطاء، ولكنها طمرت وتم البناء فوقها قبل أن يتمكن أحد من تفتيشها وتقديم الدليل على جرائم النظام. وعلى أي حال فقد تم إرسال معلومات عن تلك المجازر الى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.وقد ظهرت هذه الحقائق بجلاء في اجتماع عقد في العشرين من شهر سبتمبر الماضي في جنيف، وأكد تجاهل صناع السياسة في أوروبا لمصائب ومعاناة ضحايا تلك الجرائم.ويجب أن يتحمل خامنئي وروحاني تداعيات تلك المجزرة اليوم والتي استهدفت القضاء على حركة مجاهدي خلق في إيران، وإنهاء أي تحديات يمكن أن تواجه النظام الدكتاتوري في إيران، وفي شهر مارس الماضي قام خامنئي بتعيين أحد منفذي تلك المجزرة وهو إبراهيم ريسي رئيساً للسلطة القضائية، كما قام الرئيس حسن روحاني بتعيين أعضاء فيما يعرف باسم «لجان الموت» في منصب وزير العدل.والمهم هنا هو أن يعني ذلك بالنسبة الى القادة الأوروبيين مسألة إدراك حقيقة مؤكدة، وهي أن يفضي الضغط الدولي الى تقديم المسؤولين عن الجرائم الى المحاكمة، أو أن أعمال القتل ستمر من دون عقاب على الإطلاق، ولن يحدث أي تغيير إلا بعد أن تستبدل الحكومة الإيرانية الحالية بحكومة جديدة.وإذا كانت دول أوروبا مقتنعة بترك الأوضاع كما هي فإن على قادة تلك الدول أن يفهموا أنهم يشيحون بنظرهم عن كل الجرائم التي ترتكب وفقاً لأسلوب ما قبل عام 1988، وربما لم يتم طرح أي مؤشر لتشجيع النظام الإيراني على المضي في جرائمه أكثر من تغاضي المجتمع الدولي عن تلك الأعمال التي ارتكبت في الماضي، وإذا أخفق صناع السياسة في أوروبا في إصلاح هذا الخلل فلن يكون في مقدورهم بعد ذلك الادعاء بحماية حقوق الإنسان في العالم.وستكون تلك السمة أو اللقب من حق المجلس الوطني للمقاومة في إيران ومجموعات حقوق الإنسان الدولية المتعددة التي شاركت في إطلاق أجراس الخطر من القمع الإيراني العنيف الذي استمر أكثر من ثلاثين عاماً، ومن الواضح أن تلك السياسة ستستمر حتى مع وجود خطر إطاحة نظام طهران، ولكن سيكون من المخجل أن نبدأ علاقات مع إيران جديدة وديمقراطية إذا لم يكترث المجتمع الدولي على الإطلاق بالدعوة الى تحقيق العدالة وإنصاف أولئك الذين قتلوا على يد نظام دمر الديمقراطية في إيران لفترة طويلة من الزمن.
في يوليو الماضي قالت مريم رجوي إن المجتمع الدولي أُطلع على المذبحة عندما كانت في مراحلها الأولية