هناك ما يُحتفَل به
العودة إلى الكويت، بعد إجازة طويلة، تتطلب مني جهدا كبيرا للدخول من جديد في دورة النشاط الثقافي والفني والأدبي والاجتماعي، والمتابعات لأمور كثيرة، سواء كانت تخصني بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر، وهذا كله يستدعي الهمة والنشاط، ونفض حالة الاسترخاء والكسل اللذيذ الذي نعيشه بالعطلات الصيفية، وهذا لا يعني أن العطلة تخلو من المتابعات الثقافية التي لا تلزمني بالكتابة عنها، لكنها تمنحني لذة ارتشافها ومعايشتها باستمتاع فقط من دون أي التزامات أخرى.كانت أول ندوة حضرتها، كافتتاحية لنشاطات موسم الخريف، أقيمت في رابطة الاجتماعيين بالعديلية، التي لم أدخلها منذ سنوات طويلة، حينما كانت في عز توهجها، وكنتُ أيضا في عز شبابي أبحث عن المعرفة في كل مكان، وكانت ندوات الرابطة وقتها من أفضل الندوات التي تقام بالكويت، وتضم ألمع الأسماء للمثقفين والناشطين السياسيين والكُتاب الكبار، الذين كان لهم دور كبير في تحريك المجتمع وقت ذاك.المهم أن الزمن كأنه قد توقف في محله منذ ذاك الوقت، أي من قبل فترة الغزو الصدامي للكويت، بما يقارب 29 سنة. كل شيء في مكانه، وبشكله الثابت، الذي لم يتأثر بمرور الزمن عليه؛ المبنى القديم بمدخله وبقاعته، وباقي تفاصيله، التي أوقفتني وأشعرتني كأنني عُدت بالزمن إلى الوراء، لكن من دون توهجه ولمعان أبطاله. لا أدري لماذا لم يتم تحديث هذا المكان بما يناسب العصر وطرز البناء العصري التي تتواكب مع حداثة الزمن الحالي وروحه؟
كانت الصالة تتعكز على روحها العتيقة القديمة، بلا أي جدة أو «شياكة»، رغم أن موضوع الندوة كان عصريا جدا، وجديدا على المجتمع، وأغلبية الحضور من جيل الشباب الذين يؤسسون فكرا ونشاطا حيويا حديثا.الندوة كانت عن احتضان الأطفال اليتامى واللقطاء في الكويت، الأمر الإنساني الجميل الرائع الذي تولته مجموعة من الأسر التي احتضنت الأطفال ضمن عائلاتهم، ووفرت لهم العطف والأمان والحب والعاطفة الحقيقية التي ساعدتهم على الانسجام والتوافق والنمو في بيئة حاضنة طبيعية مثل كل الأسر الأخرى. جاءت مبادرة هذه الندوة من السيدة زينة السلطان، وهي أم شابة لم يرزقها الله بأطفال من صلبها، فقامت باحتضان ثلاث بنات وولد، بدأت في سنة 2008 باحتضان أول بنت بعمر 21 يوماً، واليوم عمرها 15 سنة، وبعد سنتين احتضنت بنتاً أخرى، لتكون أختاً للأولى، ثم احتضنت الثالثة، والأخير كان ولداً.هذه السيدة ذات الحس الإنساني الرائع تجربتها شجعت الأسر الأخرى على الاحتضان، وكانت تقيم الندوات التعريفية في منزلها فقط للأسر المحتضنة، حتى قررت توسيع نشاط هذه الدائرة الإنسانية، بإقامة الندوات بجمعيات النفع العام، وأن يكون بابها مفتوحا للجميع، لرفع وزيادة كفاءات التعاون الاجتماعي، لتوسيع ونشر ثقافة فكر الاحتضان، وزيادة الوعي الجاد به، واحترام الاختلافات والظروف التي أحاطت بالأطفال الذين يجب التعامل معهم بمودة وروح مُحبة صادقة تساعد على سرعة اندماجهم بالمجتمع، وتخفف من نظرة المجتمع السلبية لهم.شارك بالندوة د. جاسم الكندري رئيس إدارة الحضانة العائلية، الذي بيَّن للحضور مشاكل الحضانة العائلية في بداياتها، وعدد الأطفال الذين كانت ترعاهم المؤسسة قبل فكرة الاحتضان، ومعاناتهم مع هذا الوضع، الذي تغيَّر تماما بعد قيام الأسر باحتضانهم، حيث تم احتضان 600 طفل، وبعد أن كانوا يعانون كثرة رعاية أطفال المؤسسة بات لديهم الآن 24 طلبا لأسر على لائحة الانتظار، الأمر المفرح الذي يبين الروح الإنسانية الطيبة الإيجابية بالمجتمع الكويتي وقبول الاختلافات بين أفراده، حتى يسهل الانسجام والذوبان في بوتقة مجتمع تسوده روح المحبة والتسامح، وهو ما يستحق الاحترام والاحتفال به. الندوة الثانية كانت في رابطة الأدباء بالعديلية، وأيضا لم أزرها منذ فترة طويلة، لكن تم إجراء تغييرات متعددة في مبناها، لعل أفضلها القاعة التي تبرعت بإنشائها د. سعاد الصباح، وهي قاعة حديثة جميلة.الندوة قدمتها الصديقة د. أنوار السعد، حيث قدمت بحثا عن كتابة المرأة بالكويت منذ فجر بداياتها في القرن الماضي، وما واجهها من صعوبات ومشاكل الرفض والقمع والنظرة السلبية لها ومحاربتها.د. أنوار بينت خوف المرأة الكاتبة من مجتمعها، ورفضه لكتابتها كعورة جعلتها تكتب تحت أسماء مستعارة، أو تعتزل الكتابة مبكرا، وفي الزمن اللاحق تجاهل النقاد لكتاباتها.