أهداف التعليم الديني: رؤية تقويمية
يفترض بالتعليم الديني خاصة، والتعليم العربي عامة، تحقيق (5) أهداف أساسية (التحصيني، التنموي، التوحيدي، الدعوي، الحقوقي) فهل نجح في تحقيق هذه الأهداف؟دعونا نعرض هذه الأهداف الخمسة، ونقوِّم كل هدف من حيث نجاحه أو فشله في التطبيق العملي على الأرضية المجتمعية:الأول: الهدف التحصيني: المجتمعات تحصن أطفالها بالتطعيمات المحفزة للخلايا المناعية التي تكون أجساماً مضادة للفيروسات والميكروبات، والمناعة هي: قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه أمام اعتداء خارجي.الدين، عقيدة، وقيماً، وتعاليم، يصوغ عقل المسلم، ويثري وجدانه، ويشكل وعيه، فإذا أحسنا تربية الناشئة وتعليمهم مبادئ وتعاليم وقيم دينهم السمحة، أحسنا تحصينهم باللقاح الديني الكفيل برفع مناعتهم أمام فيروسات الفكر الإرهابي، ومن ثم حمايتهم من الوقوع في فخ التنظيمات الإرهابية.لكن الحاصل، على أرض الواقع، أن التعليم الديني، وبالرغم من الموارد المرصودة، والهيمنة الطويلة لعلماء الدين والدعاة والوعاظ والمربين على المناهج والمنابر الدينية، عبر 7 عقود، عجز عن "التحصين الديني" بدليل انتشار أمراض التطرف والكراهية والتعصب والعنف والقابلية للفكر الإرهابي، بين شبابنا الذين اندفعوا إلى أحضان الجماعات التي حولتهم إلى أدوات للقتل وقنابل متفجرة.الثاني: الهدف التنموي:لا أعظم من الدين، طاقة باعثة على البناء والإنتاج والإعمار والتفاني في العمل والتنمية، كونه "جهاداً" في سبيل الله تعالى، لكن التعليم الديني السائد كما يدرس في آلاف المدارس والمعاهد الدينية، على امتداد العالم الإسلامي، أخفق في استثمار وتوظيف طاقات الشباب المسلم في ميادين الإعمار والتنمية والنهوض بأوطانهم في العالم الإسلامي، وإنما دفع تلك الطاقات نحو ميادين الهلاك والهدم والتدمير، تحت شعارات واهمة: الجهاد، الاستشهاد، تطبيق الشريعة، الحاكمية، عودة الخلافة، أستاذية العالم، لم يميز التعليم الديني بين "الجهاد القتالي" وهو من مهمة العسكريين، و"الجهاد المدني" وهو من مهمة المدنيين، فكانت النتيجة انخراط آلاف الشباب في مشاريع عدمية، استنزفت آلاف الطاقات هدراً! تصوروا لو استثمرت هذه الطاقات الواعدة المخلصة في ميادين التنمية والإنتاج، ماذا كانت حالة مجتمعاتنا؟!الثالث: الهدف التوحيدي:لا أَجِد ديناً حث على التقارب والتعاون والتكامل كالإسلام كقوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا". والحديث الشريف "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد…"، لكن واقع المسلمين، يناقض تماماً التوجيهات، لم يستطع التعليم الديني، الإسهام في تقارب المسلمين، وإصلاح ذات بينهم، بل أصبح عامل تأزيم وتكريس للفرقة والشحن الطائفي وتغذية الصراعات السياسية والمذهبية، وكانت الكتب العقائدية معول تدمير وتمزيق وتكفير.الرابع: الهدف الدعوي:المسلمون مكلفون بتقديم الإسلام للعالم صورة حضارية مشرقة، ديناً للسلام والمودة والرحمة والتسامح والعدل، وهذا مقتضى "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ".لم ينجح هذا التعليم في تقديم هذه الصورة المشرقة للإسلام، بل قدم صورة مشوهة مرتبطة بالكراهية والعنف، بحيث أصبح العالم يتوجس من الإسلام والمسلمين أينما حلوا أو ارتحلوا مكرهين: تشريداً وتهجيراً ولجوءاً، وزاد الطين بلة، أن الخطاب الديني المهاجر، حمل أمراضه معه إلى ديار المهجر، فزاد الجاليات المسلمة هناك رهقاً، وأخرج من أصلابهم، من الجيل الثالث، من تحولوا إلى أعداء لأوطانهم ومجتمعاتهم التي آوتهم واستضافتهم، ويسرت لهم سبل العيش الكريم.الخامس: الهدف الحقوقي:كرم القرآن الكريم الإنسان، لكونه إنساناً فحسب، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو معتقده أو أصله، في قوله تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ"، ومن مقتضى التكريم الإلهي للإنسان، صيانة حقوقه وحرياته وكرامته، مما يستوجب على التعليم الديني أن يكون مناصراً، بقوة، لحقوق الإنسان في كل مكان، لكن الملاحظ، بوضوح، أن التعليم الديني العربي السائد، يتوجس من إفساح المجال لحريات الرأي والتعبير، وينحاز، غالباً، إلى جانب السلطة والمنادين بتقييد الحريات، بحجة حماية الفضيلة، وحراسة العقيدة، وصيانة الثوابت، والحفاظ على الهوية، لذلك يستسهل اتهام نشطاء الحريات، بالتشكيك في معتقداتهم، ورميهم بالعلمانية والتغريب والفتنة.* كاتب قطري
مقالات
نحو تعليم ديني متصالح مع العالم (11)
04-11-2019