شهدت العاصمة العراقية بغداد وأغلب محافظات وسط وجنوب البلاد التي تسكنها غالبية شيعية، إضراباً عاماً، أمس، استجابة لدعوة المتظاهرين إلى عصيان مدني بهدف إسقاط الحكومة واجراء انتخابات مبكرة، في حين نجح المتظاهرون بقطع الطرقات في هذه المدن، مما تسبب في اختناقات مرورية قبل أن تقوم قوات الأمن بفتحها.
إضراب ومنع
وذكر شهود عيان أن مصارف ومؤسسات حكومية عطلت عملها، أمس، إثر تصاعد حدة الاحتجاجات التي دخلت يومها العاشر. وأفاد الشهود بأن محتجين قطعوا «جسر الحضارات» أحد أهم جسور مدينة الناصرية كبرى مدن محافظة ذي قار جنوبي البلاد، وعطلوا الحركة بين جانبي المدينة في بداية ساعات الدوام الرسمي. وأضافوا أن محتجين منعوا كذلك دخول الموظفين دوائر ومؤسسات حكومية، كما قطعوا طريقاً إلى إحدى المنشآت النفطية غربي المدينة.وذكرت تقارير أن المحتجين قاموا بحرق مقار حزبية ومنازل نواب في الناصرية. وفي النجف، توافد آلاف الطلبة والموظفين، إلى ساحات التظاهر وأعلنوا «عصيانا مدنيا عاما».وشارك عدد من منتسبي العتبتين الحسينية والعباسية في تظاهرات محافظة كربلاء.وفي الديوانية (جنوب بغداد) علق المتظاهرون لافتة كبيرة على مبنى مجلس المحافظة كتب عليها «مغلق بأمر الشعب».وامتنع العديد من الموظفين عن الذهاب إلى أعمالهم في مدينة الحلة بمحافظة بابل جنوب بغداد، وسط إغلاق لمعظم الدوائر الحكومية.وتوحي هذه الاعتصامات بدخول الاحتجاجات مرحلة جديدة، خاصة لكونها بالفعل أكبر حراك شعبي يشهده العراق منذ عقود.تعطيل الدراسة
واستجابت الهيئات التعليمية لقرار نقابة المعلمين بإعلان الإضراب في جميع المدارس بفروعها الابتدائية والمتوسطة والإعدادية تضامنا مع المتظاهرين الذين يتعرضون لـ»عنف غير مبرر».وفي بغداد انضم الطلبة إلى ساحات التظاهر وخروجوا بمسيرات وهتفوا بشعارات للمطالبة بإقالة الحكومة وحل البرلمان وتعديل الدستور. كما نظم طلبة كلية طب الكندي ببغداد إضرابا عن الدوام وانضموا إلى محتجي ساحة التحرير.بدورها، أعلنت نقابات المهندسين والمحامين والأطباء عن إضراب عام كذلك، دعما للاحتجاجات.البصرة
وفي البصرة، أغنى محافظات البلاد بالنفط وحيث المنفذ البحري الوحيد للبلاد، أغلقت المدارس الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات بداية الشهر الماضي.كما واصل المحتجون لليوم الثاني على التوالي إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي الى ميناء أم قصر، أحد المنافذ البحرية الرئيسية لاستيراد المواد الغذائية والطبية وغيرها، للبلاد.وقال مصدر في الميناء لفرانس برس «انسحبت نحو 12 سفينة بعد انتظار تفريغ حمولتها في الميناء، إلى مكان آخر، السبت».وكانت وزارة التجارة حذرت في بيان، مساء أمس الأول، من استمرار غلق الميناء، إذ سيؤثر سلباً على تجهيز البطاقة التموينية المدعومة من الحكومة للمواطنين.وأفاد مصدر أمني، بإعادة فتح طريق خور الزبير، أم قصر في البصرة بعد قطعه ساعات. وقام المحتجون بمنع مرور مركبات موظفي شركات الحديد والصلب والأسمدة ومحطة الكهرباء الغازية من الدخول إليها غرب المحافظة.اجتماع أمني
في السياق، أفاد مكتب رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي، بأن الأخير ترأس اجتماعا للقادة الأمنيين، مساء أمس الأول، شدد خلاله على ضرورة حفظ الأمن والاستقرار وفق التوجيهات بحماية المتظاهرين السلميين والممتلكات العامة والخاصة.الانتخابات المبكرة
في هذه الأثناء، دعا عضو مجلس المفوضية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي، القوى السياسية لتقديم تنازلات للحفاظ على النظام السياسي والعملية الديمقراطية.وقال البياتي إن «الانتخابات المبكرة هي الخطوة الإيجابية الأكثر عملية التي بإمكانها أن تسحب غضب الشارع وتساهم في تحويل الزخم الشعبي الموجود على الأرض إلى صناديق الاقتراع وعبور الأزمة واختيار برلمان وحكومة تأتي من مشاركة جماهيرية أكبر وأوسع، وهو الشيء الذي لم تتميز به الانتخابات الأخيرة».وأضاف أن «الأصل هو الحفاظ على النظام السياسي والعملية الديمقراطية، مع تقديم بعض التنازلات من قبل القوى السياسية، ما دامت ضمن أطر الدستور ونزولا عند رغبة الشعب للحفاظ على استقرار البلد ومنع الفوضى».الحلبوسي والكرد
من جهة ثانية، بحث رئيس البرلمان محمد الحلبوسي مع وفد من الحزب الديمقراطي الكردستاني، برئاسة هوشيار زيباري، تلبية مطالب المتظاهرين عبر برنامج إصلاحي واسع، في حين أكدا أهمية أن تحظى التعديلات الدستورية التي وعد بها رئيس الجمهورية برهم صالح بقبول جميع المكونات.محاصرة العبادي
من جانب آخر، نفى مجلس القضاء الأعلى، إصدار أي مذكرة بخصوص رئيس ائتلاف النصر رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي. وجاء ذلك رداً على بيان قال فيه عضو «ائتلاف النصر» علي السنيد إن «قوة مسلحة غير نظامية ترتدي الزي العسكري حاصرت منزل العبادي، من دون معرفة الأسباب».عقوبات إيرانية
على صعيد منفصل، طلب البنك المركزي العراقي، أمس، من كل المصارف المرخصة والمؤسسات المالية غير المصرفية بعدم التعامل مع مصرفين وشركة تحويل مالية لـ»شمولهم بالعقوبات الدولية».وقصر البنك العراقي أمر المنع على العملة الأميركية وأجاز إجراء تعاملات بأي عملة أخرى مع المصرفين والشركة، وهو ما يشير إلى أن العقوبات أميركية تستهدف إيران.وفي طهران، نفى وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا فضلي، تدخل بلاده في الشؤون الأمنية العراقية، خلال مراسم الأربعين التي جرت في أكتوبر الماضي. وكان المتحدث باسم «الحرس الثوري»، رمضان شريف، قد أعلن أن «فيلق القدس»، بالتعاون مع الشرطة العراقية و»الحشد الشعبي»، سيقوم بتوفير أمن زوار مراسم الأربعين في العراق.ويأتي نفي الوزير الإيراني في وقت تتهم تقارير عدة «الحرس الثوري» بالتنسيق والمشاركة في قمع الاحتجاجات العراقية، التي سقط فيها 250 قتيلا وتخللها حرق مقار أحزاب ومليشيات موالية لطهران. كيف تحوّل «المطعم التركي» إلى أيقونة تظاهرات بغداد؟
تحول «المطعم التركي» المطل على «ساحة التحرير» وسط بغداد، الى أيقونة للمحتجين الذين يتظاهرون منذ أسابيع ضد الحكومة العراقية، والذين اتخذوا منه مسكناً مؤقتاً ومقراً استراتيجياً في قلب العاصمة.ويطلق على هذا المبنى، الذي يعود بناؤه إلى ثمانينيات القرن الماضي، اسم «المطعم التركي»، لأنه كان يضم مطعماً تركياً قديماً في دوره الأعلى. ويتميز المبنى ذو الأدوار الـ 14، بموقعه الاستراتيجي، إذ يطل من جهة على ساحة التحرير، المركز الأساسي لمتظاهري العاصمة، ومن الجهة الأخرى على جسر الجمهورية والمنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة والبرلمان والسفارات الأجنبية.ومع انطلاق التظاهرات بداية أكتوبر الماضي، تمركز عدد من القناصة المجهولين في المبنى الذي يعاد ترميمه، وفتحوا نيرانهم باتجاه المتظاهرين، مما أدى الى مقتل عدد كبير منهم. ومع انطلاق الموجة الثانية من التظاهرات في 25 أكتوبر، قرر المحتجون الاعتصام في المبنى لمنع القناصة من استخدامه، وكذلك لرصد قوات الأمن إذا كانت تتقدم باتجاههم.وللتشديد على أهميته وضرورة عدم إخلائه، أطلق عليه المتظاهرون اسم «جبل أُحد».
خطف ناشطة متطوعة لإسعاف المتظاهرين
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، بخبر اختطاف الناشطة والطبيبة صبا المهداوي، من منطقة البياع جنوبي العاصمة العراقية بغداد، وبالمطالبات بكشف مصيرها في أسرع وقت. وقام مسلحون مجهولون يستقلون سيارة باختطاف المهداوي ليل السبت- الأحد، بعد عودتها من تظاهرة «ساحة التحرير» وسط بغداد، حيث كانت تتطوع لعلاج وتقديم الإسعافات والرعاية الصحية للمتظاهرين.