الموظف بين السماح والمنع من مواصلة التعليم
تصدر مؤخراً خبر يفيد بأن القضاء الإداري أصدر حكماً يلزم فيه وزارة التعليم العالي بالسماح لأحد الموظفين باستكمال تعليمه العالي دون الحصول على تفرغ أو بعثة دراسية. وهذا الخبر إن كان مفاجئاً للبعض، فإن البعض الآخر يدرك تماماً بأنه سيأتي اليوم الذي سينصف فيه القضاء الاداري الموظفين الراغبين في استكمال الدراسة، جراء ما تشددت به لوائح «التعليم العالي» المُقرة أخيراً من قبلها.وتعود القصة إلى أنه في بداية هذا العام صدر قرار وزاري من «التعليم العالي» ورقمه 17/2019 الخاص بلائحة معادلة الدرجات العلمية ما بعد الثانوية العامة الصادرة من خارج دولة الكويت، حيث جاء في المادة رقم 11 منه (الفقرة الخامسة) أنه لا يتم النظر في معادلة الدرجات العلمية من قبل اللجنة في الحالات التي يحصل عليها الموظف في الجهات الحكومية، أو العامل في الجهات غير الحكومية على الدرجة، دون الحصول على إجازة دراسية أو بعثة دراسية لكامل الفترة المحددة.ولا يهم الوزارة هنا إن حصل الموظف على كتاب من جهة عمله يفيد بعدم الممانعة في الالتحاق بالدراسة، ولا يتعارض ذلك مع أوقات العمل الرسمي، إذ اشترطت التعليم العالي على الموظف ضرورة حصوله على إجازة أو بعثة دراسية لكامل الفترة الدراسية. هذا التنظيم وإن كان في ظاهره الرغبة في الارتقاء بالمستوى التعليمي فإنه يحمل في طياته مخالفة قانون إنشاء وزارة التعليم العالي، إذ ينحصر دورها الرئيسي في الاعتراف بالجامعات التي تتطابق معاييرها مع المعايير الاكاديمية والعلمية المرتفعة، إلا ان القرار الصادر انساق خلف لوائح اتسمت بالشدة والتعسف تجاه الموظفين الراغبين في استكمال تحصيلهم العلمي.
وحيث إن المادة 4 من ذات القرار اشترطت على الطالب الراغب في الدراسة على حسابه الخاص ضرورة الحصول على موافقة مسبقة من المكتب الثقافي قبل الالتحاق بالجامعة، فإن الطالب سيرفض طلبه في الحصول على الموافقة المسبقة، حتى وإن كان لديه كتاب يفيد بقبوله في إحدى الجامعات المعترف بها من «التعليم العالي» بسبب عدم تقديمه ما يفيد حصوله على إجازة أو بعثة دراسية، مع العلم أن عملية الموافقة المسبقة ما هي إلا عمل تنظيمي، وهو عمل لا يقوي في الواقع إلا على الجامعات غير المعترف بها من وزارة التعليم العالي، والتي لا تتوافر في برامجها المعايير والمقاييس الاكاديمية الدولية، وبأنه لا يجوز بحال من الاحوال أن يقود تنظيم التعليم العالي في شقه المتعلق بالدراسة في الخارج إلى تضييق الخناق على طالبي العلم ومنعهم من تحصيله بدعوى التنظيم والتفرغ التام للدراسة.وقد جاء في المادة 13 من الدستور الكويتي أن التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، وجاء في المادة 14 منه أن على الدولة رعاية العلوم والآداب والفنون وتشجيع البحث العلمي، وجاء أيضا في المادة 40 أن التعليم حق للكويتيين. ولهذا فإن استلزام التعليم العالي حصول الموظف على بعثة دراسية كاملة لمن يرغب في الدراسة بالخارج والتفرغ التام من الوظيفة هو عين القيد على الحرية، والقول بأن المنع جاء ليتفرغ الطالب للدراسة لا يصلح دليلاً قاطعاً على عدم قدرته على التحصيل العلمي، كما أنه لا يصلح مطلقاً سبباً أكاديمياً وعلمياً مقنعاً لمنع طالب العلم من تحصيله في التخصص الذي يميل إليه ويجده ملبياً لطموحه، كما انه يزيد من الاغلال في القيود على الحريات الشخصية ومن بينها الحرية في اختيار نوع التعليم والتوقيت المناسب له، والتي ليست منحة من الادارة تمنحها من تشاء وقتما تشاء، وإنما حق أصيل للمواطن مقيد فقط بعدم الخروج على مقتضيات المصلحة العامة.وإذ إن القانون رقم 78 لسنة 2019 في شأن حظر استعمال الشهادات العلمية غير المعادلة قد خص «التعليم العالي» وحدها بمعادلة الشهادات الصادرة داخل الكويت أو خارجها، وعدم الاعتداد بأي شهادة ما لم يتم اعتمادها من وزارة التعليم العالي، كما أن الوزارة لم تصدر أي لائحة تنظيمية لمعادلة الدرجات العلمية سوى القرار الوزاري سالف الذكر، وهو القرار الخاص لمعادلة الدرجات العلمية الصادرة خارج دولة الكويت؛ لهذا فإنها قد مايزت بين من يحصل على الدرجة العلمية داخل الكويت ومن يحصل عليها خارجها، بحيث لم تشترط على الطلبة الموظفين داخل الكويت الحصول على تفرغ دراسي لكامل الفترة، مما يخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، إذ بإمكانهم الدراسة في الجامعات الخاصة في دولة الكويت واعتماد شهاداتهم بعد التخرج دون الحصول على موافقة مسبقة، وهذا هو عين التفرقة، فكل تفرقة أو تقييد ينال صورة تحكمية من الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكارها أو تعطيلها أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة من جانب المؤهلين قانوناً للانتفاع بها يعد تمييزاً يجافي المساواة المقررة دستورياً.لذلك نتمنى أن تتدارك وزارة التعليم العالي وأن تعيد صياغة لوائحها التنظيمية، بما يتناسب مع قانون إنشائها، ولا عيب أن تتشدد الوزارة في ضبط التعليم وجودته بما ينعكس على الدولة بالفائدة، بل ذلك واجبها، لكن على ألا يكون عبر فرض قيود غير دستورية.