لستُ ممن ينظر إلى الوراء، نادباً حظه ومتحسراً على ما مضى، لكني أتطلع إلى الأمام؛ آخذاً بالحسبان ما كان بالأمس القريب والبعيد. لذا فحين دشّنت الكويت تظاهرات معارض الكتب في منطقة الخليج، وكان ذلك عام 1977، يومها ما كان هناك أي معرض كتاب في المنطقة، بل إن العاصمتين الوحيدتين اللتين سبقتا الكويت لمعارض كتب هما: بيروت عام 1956، والقاهرة عام 1969. وفي ذلك الوقت، أعني عام 1977، كانت منارة الكويت الفكرية والإبداعية والأدبية والفنية، مشعّة وبارزة وشامخة، كما باقي مناحي الحياة.دارت الحياة دورتها، وزهت عواصم الوطن العربي، وعلى رأسها دول مجلس التعاون بمعارض كتبها، مما شكّل تحديات كبيرة لمعرض كتاب الكويت، وعلى رأس هذه التحديات برزت قضية الرقابة. فيوم انطلق معرض الكويت للكتاب، كانت قوافل الأصدقاء من الدول المجاورة تأتي لتتزود بالكتب، كل الكتب، ومن مختلف مشارب الفكر، لتعود بها إلى بلدانها. يومها كانت إدارة رقابة الكتب في وزارة الإعلام حاضرة، لكنها حاضرة بما لا يعيق عمل المعرض.
لحظة الزمن تنقضي بمجرد مرورها، هكذا انقضت السنوات الأولى والعقود الأولى لمعرض الكويت للكتاب، وصيته إلى علو، وحضوره يشكّل تظاهرة فكرية إبداعية أدبية ثقافية، لا على مستوى الكاتب والفنان والمثقف فحسب، بل إن إعلانات المعرض كانت بحد ذاتها تشكّل تظاهرة لافتة لكل الشعب الكويتي، بكل فئاته، وكان المعرض حدثاً اجتماعياً بامتياز، رسمياً وشعبياً.انفجرت ثورة المعلومات والاتصال، وجاءت مواقع شبكة الإنترنت، وتالياً مواقع التواصل الاجتماعي، فغيّرت وجه العالم، وهذه الثورة إذ حفرت أخاديدها في وجه اللحظة الإنسانية في شتى بقاع الأرض، كانت ولم تزل سائرة في اندفاعها، لا تلتفت لمن يجافيها، ولا تعير انتباهاً لمن يتفكر في اللحاق بها، ولا تقف لثوانٍ أمام من يتفرج عليها بتجدد عوالمها.تغيّر وجه العالم، وتغير تفكير إنسان العالم، وتالياً سلوكه بقناعاته، وتغيرت مدن العالم، وتغيرت تظاهراتها الفكرية والإبداعية والفنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية. تغيّر وجه العالم بأكمله. ولمن يريد أن يبقى مغطى بلحاف ماضيه فله ما يشاء، ولتظل نومته إلى ما شاء الله!نعم، معرض الكويت للكتاب، بات معرضاً من ضمن معارض كتب عربية كثيرة، وبات متأخراً عنها بأمور كثيرة. وليس بخفيّ على أحد، أن أقرب المعارض إلينا سبقنا بعقود؛ فمعارض كتب كالشارقة والرياض وأبوظبي وجدة والبحرين وقطر، بخلاف أنها في صالات حديثة وبمعمار آخّاذ وأنشطة ثقافية معاصرة ومهمة ولافتة، فإن تلك المعارض ابتعدت عن مقتل الكتاب، وأعني بذلك الرقابة، بينما تشدد معرض الكويت للكتاب أكثر برقابته، حتى غدا طارداً للناشر العربي وللقارئ، وحتى غدت الرقابة حديث المجتمع الثقافي في كل عام أكثر من حديثهم عن جدّة المعرض وفعالياته.معرض الكويت الدولي للكتاب على الأبواب، وعسى الكويت الحبيبة تكون أكثر رأفة بمعرضها وسمعة الكويت في هذا العام. لا أحد يجيز نشر كتاب يتعرض للذات الإلهية، أو يمس الذات الأميرية، أو يتعرض للأديان السماوية، أو يحارب الوحدة الوطنية، لكننا نتكلم هنا عن روايات لكتّاب عالميين وعرب، كانت مجازة في معارض سابقة وأصبحت ممنوعة، ونتكلم عن دواوين شعر، وعن كتب فلسفة وعن مجاميع قصصية، وعن وعن وعن. الزملاء الأفاضل في إدارة الرقابة، أعلم تماماً أنكم تنتمون للحظة العيش التي نحيا، وأعلم أنكم تحملون تلفوناتكم الذكية معكم حيث تكونون، ولذا فكلكم يعلم أن طلب أي كتاب من متاجر بيع الكتب المنتشرة عبر الإنترنت يجعل الكتاب أمام القارئ في أقل من 48 ساعة، وبالتالي فالرقابة ماتت، وشبعت موتاً، وما عادت قادرة على منع قارئ من الوصول إلى أي كتاب. أرجوكم أيها الزملاء، ليكن عنوان معرض الكتاب لهذا العام: «معرض معافى من مرض الرقابة».
توابل - ثقافات
معرض الكويت للكتاب مُعافَى!
06-11-2019