هل هي موجة ربيع ثانية؟ وبماذا اختلفت عن الأولى؟
هل ما يحدث على امتداد المنطقة العربية وما وراء المنطقة هو موجة ثانية من "الربيع العربي"، وغير العربي؟ وهل نتحدث عن نسخة جديدة أم مكررة من تلك التي عصفت بأنظمة دكتاتورية بأيادٍ عارية، وهزت عروشها، حتى لو أن بعضها قد استطاع أن يتماسك؟لكي نخرج من الدائرة الضيقة لابد من تَخيُّل بواعث ما يحدث؛ فـ "الخيال أهم من المعرفة" حسب أينشتاين. تفسير ما يجري من مظاهرات حوالينا، وخارج منطقتنا، يحتاج إلى رؤى أكثر رحابة، خارج الصندوق، لا رؤى منغلقة على ذاتها، كالذي يعيش في "قميص مشدود".
ما هي نقاط الاختلاف بين الموجتين الأولى والراهنة؟ الأولى هي الالتزام بالبعد السلمي للحراك، والتماسك في مواجهة آليةٍ قمعية عنيفة اضطرت إلى التراجع، والإقرار بمشروعية الحراكات، حتى لو على سبيل التكتيك، بينما الثانية هي التوجه إلى إنهاء النظام القائم والمطالبة برحيله بشموليته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ورفض الانقسامات الطائفية والعرقية وغيرها، أما الثالثة فهي إعلان انعدام الثقة بالقيادات السياسية كلها، والرابعة إعلان مكافحة الفساد لأنه يمثل عنصراً أساسياً لتراكم التراجع في إدارة الدولة. وتشابهت الحراكات الراهنة مع سابقاتها، في الأبعاد المطلبية والخدماتية والوظيفية، بالإضافة إلى غياب القيادة المعلنة الواضحة، مع استثناءات واضحة في السودان مثلاً.كان لافتاً أن الحراكات الشعبية الراهنة حصلت على إقرار بمشروعيتها وصحة مطالبها من القوى والنخب السياسية الحاكمة، حتى وإن كان ذلك على سبيل المناورة، لكسب الوقت وأملاً في إعادة الأمور إلى وضعها السابق، كما أن حجم التدخل الأجنبي لم يتغير من حيث الشكل ولكن تغير من حيث الأدوات. كذلك يلاحظ أن صوت التخوين، كان خافتاً، والإشادة بوطنية المتظاهرين كان أعلى، واختفى ما كان يسمى "أكاديمية التغيير" من الخطاب المضاد للحراكات الشعبية، في حين كان طاغياً في الموجة الأولى للربيع العربي. الملاحظة اللافتة للنظر هي أن أغلب من كانوا ضد الحراكات الشعبية الأولى، صاروا في الغالب مؤيدين للجديدة، بينما أغلب من كان مؤيداً حينذاك، صار معارضاً، متهماً لها بالتخوين والمندسين، باستثناء السودان فإن الحراكات فيه مازالت في مرحلة مخاض قد تنتهي إلى أنظمة أكثر رشداً وأكثر اتساقاً مع العدالة ورفضاً للتمييز، أو قد تنتهي بعودة النظام القديم بلباس مختلف، وربما حرب أهلية، لاسيما مع إلحاح الطرف الأجنبي في التأثير على مساراتها. باختصار، حين فشلت الدولة في أن تكون "خيراً عاماً"، خرج الناس لتقويمها.