«أرامكو»... بين منافع الاكتتاب المحلي وعوائق الإدراج العالمي
التسعير مشكلة... و«جاستا» و«بريكست» والشفافية والحوكمة تحديات قاسية
يعتبر تسعير «أرامكو» أحد تحديات الاكتتاب، فالسعودية ترى أن عملاقها النفطي يستحق مبلغ تريليوني دولار أميركي، أما المؤسسات الاستثمارية الدولية فتشير إلى أرقام بينها هوامش ضخمة تصل إلى 50 في المئة.
أعلنت شركة الزيت العربية السعودية «أرامكو» طرح نحو 2 في المئة من أسهمها في سوق الأسهم السعودية، في أول اكتتاب من نوعه لشركة بترول سيادية، ومن المتوقع أن يكون أيضا أضخم طروحات الاكتتاب تقريبا 40 مليار دولار، متخطية اكتتاب مجموعة «علي بابا» للتجارة الإلكترونية، التي تحتفظ بالرقم القياسي لأكبر عملية بيع أسهم بقيمة 25 مليار دولار في نيويورك سنة 2014.ومع تجاوز تكرار العديد من المعلومات التي تدفقت من وكالات الأنباء العالمية، خلال هذا الاسبوع، عن الطرح وايرادات وعمليات «أرامكو» وآليات الاكتتاب فإن خطط إدرج أسهم ارامكو في البورصات منذ بداية إعلان العملية عام 2016 تنقسم الى شقين؛ أولهما محلي يختص بسوق الاسهم السعودية، والثاني دولي يرتبط بإدراج الاسهم في بورصة عالمية بنسبة تصل الى 3 في المئة من رأسمال أرامكو، ولقد شرعت السعودية في اتمام المرحلة الاولى هذا الاسبوع بطرح الاكتتاب للإدراج في ديسمبر حسب التوقعات الرسمية، في حين أجلت الى وقت غير محدد موعد تنفيذ المرحلة الثانية المخصصة للاسواق الدولية.
منافع السعودي
وبنظرة عامة، فإن لكلا المرحلتين تقييماً يختلف عن الأخرى، فمنافع الإدراج في السوق السعودية ربما تكون اكبر من تلك الدولية، كونها ستخلق قيمة مضافة في هذه السوق عبر طرح شركة تشغيلية ضخمة للمتداولين، فضلا عن وضع الدولة حلولا ادخارية للمواطنين عبر طرح أدوات استثمارية تمتص السيولة، كما انه يعطي المصارف هامشا لتمويل احتياجات المكتتبين، والأهم انها تجذب أموالا أجنبية للاستثمار في شركة بحجم «أرامكو»، خصوصا ان السعودية شهدت تراجعا في استقطاب الاستثمارات الاجنبية في عام 2017، والتي بلغت 1.42 مليار دولار مقارنة بـ 7.45 مليارات دولار خلال عام 2016، في حين ارتفع الرقم الى 3.209 مليارات دولار في 2018 حسب تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، كما أنه يحتمل ان يكون داعما لخطة السعودية في رؤيتها 2030 لتنويع مصادر دخلها بتقليل الاعتماد على النفط.مصاعب الأجنبي
وفي المقابل، فإن للإدراج الأجنبي خلال المرحلة الثانية المؤجلة عدة مصاعب؛ إذ ترى مجلة الايكونومست ان مسألة تسعير قيمة ارامكو الاجمالية عند تريليوني دولار اميركي الذي تستهدفه السعودية أمر ليس متاحا، بناء على توقعات المستثمرين - ولقد خفضته مصادر سعودية الى ما بين 1.3 و1.7 تريلون دولار- وهو ما أكدته مصادر «رويترز» التي نقلت هذا الاسبوع أن بنك أوف أميركا ميريل لينش يقدر تقييما محتملا لأرامكو بهامش واسع بين 1.2 و2.3 تريليون دولار، بينما يتراوح تقييم المجموعة المالية هيرميس للأسهم بين 1.55 و2.1 تريليون دولار. ووضع «غولدمان ساكس»، وهو أحد البنوك التي تنسق الطرح الأولي، تقييما للشركة يتراوح بين 1.6 و2.3 تريليون دولار، في حين قدر محللون في مؤسسة برنستين للأبحاث «نطاق تقييم عادلا» لأرامكو بين 1.2 و1.5 تريليون دولار. أما رئيس باليسي أدفيزورز لاستشارات النفط والتعدين في لندن أنيش كاباديا، فأوضح أن القيمة الأقرب للمنطق تحوم حول تريليون دولار وأن تقييما طموحا عند تريليوني دولار هو مبالغ فيه جداً من حيث العوامل الأساسية، وبالتالي فإن تفاوت تسعيير أرامكو يعتبر أحد المصاعب الفنية في عملية الادراج، وهو أصلا من اسباب تأجيل الطرح الدولي، خصوصا ان التقييمات الحديثة تشير الى هامش ضخم بين الحدود الدنيا والعليا تصل الى 50 في المئة. كذلك من مصاعب الإدراج الدولي ما يتعلق باختيار السوق التي سيتم فيها إدراج الاسهم، ففي البداية كان التوجه هو ادراج ارامكو في بورصة نيويورك، لكن هنالك مصاعب تتعلق باحتمال خلط السياسي مع الفني برفع جهات في الولايات المتحدة دعاوى قضائية ضد ارامكو بالاستفادة من قانون «جاستا» فيما يتعلق بهجمات 11 سبتمبر 2001، كما أن هناك قضايا مرفوعة أمام محاكم نيويورك وواشنطن وفيرجينيا من عائلات ضحايا تلك الهجمات.إدراجات صعبة
أما الادراج في بورصة لندن فواجه مصاعب نظامية تتعلق بالنسبة المسموح بإدراجها لأرامكو عند 5 في المئة، في حين تنص القواعد التنظيمية في بورصة لندن على ادراج ما لا يقل عن 25 في المئة من رأسمال أي شركة، لكن في النهاية تم تعديل هذه القواعد بما يسمح لإدراج أرامكو وسط اعتراضات من جمعيات المستثمرين هناك، في وقت تم استبعاد بورصة لندن من خطط أرامكو بسبب ضبابية الاوضاع في بريطانيا، مع أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست».شفافية ومهنية
وينسحب الأمر الى بورصات عالمية أخرى كطوكيو وهونغ كونغ، إذ تعتبر شفافية الشركات المدرجة وحوكمتها عائقا، ليس فقط لارامكو بل ربما لجميع الشركات العربية، فالبورصات العالمية دائما ما تستهدف البيانات الحديثة والصحيحة بخصوص الأرباح والعمليات والتحالفات والتحديات وغيرها، وبالطبع هنا تظهر التحديات الجيوسياسية في المنطقة على آليات الافصاح والشفافية، فالتعامل مع حادث الاعتداء على منشآت أرامكو في شهر سبتمبر الماضي يختلف في حال الادراج الدولي عن التعامل معه في الاحوال العادية، وهذا تحدٍّ كبير، ربما يرفع من مهنية مجمل شركات المنطقة إذا تم التعامل معه بشكل صحيح.لا شك أن لإدراج ارامكو واكتتابها منافع جيدة للسوق السعودية على الصعيد المالي من تحفيز التداولات والاستثمار وحتى المصارف، لكن ايضا بالمقابل فإن من المهم للسعودية وغيرها من دول الخليج أن تستهدف خلق كيانات اقتصادية مساندة للنفط، لتجاوز تحدياته الضاغطة على السوق من حيث قلة الطلب وظهور النفوط المنافسة وآثار الحرب التجارية بين أميركا والصين وغيرها، وهو أكثر أهمية من الإدراج في سوق عالمية بصيغ لا تلبي احتياجات المملكة الاقتصادية.
خلق كيانات مساندة للنفط أكثر أهمية من الإدراج العالمي بصيغ لا تلبي الاحتياجات الاقتصادية