بعد حادثة إنزال غاندي بالقوة من القطار بسبب التفرقة العنصرية اتجه إلى تطبيق سياسته المناوئة للتفرقة العنصرية، وإلى تأسيس حزب المؤتمر الوطني الهندي في جنوب إفريقيا، فكان غاندي يتنقل بين جنوب إفريقيا والهند، وكان مع رفاقه يطالبون بإنهاء الاحتلال البريطاني للهند. نصحه أصدقاؤه بالذهاب إلى الهند والالتقاء مباشرة مع الجماهير الهندية بدل مكوثه في جنوب إفريقيا، وتحدث في المؤتمر الهندي الوطني باسم الهنود القاطنين في جنوب إفريقيا، وكان معجباً في شبابه بالكاتب الروسي تولستوي، وكانت علاقة حميمة تربطه بالشاعر الهندي طاغور، دخل غاندي السجن مرات عديدة لمعارضته السياسة البريطانية في الهند، فكان يصوم أياماً تعبيراً عن رأيه في أي قضية خلافية بين الناس، أو عندما كان يحتج على تصرفات السلطة البريطانية المحتلة للهند.
صام 21 يوماً تضامنا مع المسلمين، وكان يقيم في منزل مولانا محمد علي- أحد الرموز الدينية الإسلامية- احتجاجا على العنف الطائفي، كما أنه استخدم سياسة الصيام عندما نشب خلاف بين ملاك مصانع النسيج والعمال وبعد أن انتهى الخلاف بالاتفاق بين الطرفين أنهى صيامه. بدأت المطالب بالاستقلال عن بريطانيا عام 1930 ، وقاد مسيرة ضد الحكم البريطاني بسبب فرض ضرائب على عمال الملح الهنود، وأودع السجن، وعندما عُقد مؤتمر الطاولة المستديرة في لندن لبحث موضوع الاستقلال حضر غاندي بملابسه الشعبية حفلة عشاء أقامها الملك جورج الخامس للمؤتمرين نكاية بالإنكليز، كما خاطب غاندي هتلر وقابل موسليني عام 1936 ، وتعرض لمحاولة اغتيال بعد أن ألقى أحد الهندوس قنبلة على السيارة التي كان يستقلها احتجاجا على تسامحه مع المسلمين. وبعد نضال طويل في سبيل استقلال الهند قرر التقاعد عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني، ورشح جواهر لال نهرو لرئاسة الحزب، ليصبح نهرو أول رئيس وزراء لحكومة انتقالية قبل الاستقلال، اشتركت فيها جماعة رابطة المسلمين، وعندما كان الحديث يدور عن إنشاء دولتين بعد الاستقلال هما الهند وباكستان كان غاندي يعارض هذه الفكرة التي أحدثت اضطرابات دينية، فلجأ مرة أخرى للصيام احتجاجاً على أعمال العنف. كان يوم التقسيم وإنشاء دولتين من أصعب المراحل في حياة الهند، فقد نزح نحو 14.5 مليون إنسان عبر الحدود، ورافق ذلك عمليات قتل راح ضحيتها الكثير، حيث يصفها كاتب هذا الكتاب بأنها أكبر حالة نزوح في تاريخ البشرية، وترك الملايين من المسلمين والهندوس والسيخ بلا مأرب. وفي كتاب غاندي نتعرف على اختيار العلم الهندي بعد الاستقلال، فكانت فكرة العلم الهندي ترجع للزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي قال في عام 1921 إن الوقت قد حان لاختيار علم للهند المستقلة، يعكس التسامح بين الطوائف وخصوصا الأكبر سكاناً، دون إغفال باقي الطوائف، فاقترح غاندي أن يتكون العلم من ثلاثة ألوان الأحمر يمثل الهندوس والأخضر يمثل المسلمين، والأبيض يمثل باقي الطوائف، وكان السيخ قد طالبوا بأن يضاف اللون الأسود، لكن غاندي فضل اللون الأبيض لبقية الطوائف بمن فيهم السيخ، كما أنه اقترح أن تكون في وسط العلم دائرة تمثل عجلة جهاز النسيج الذي استخدم أيام الاحتلال البريطاني عندما قاطع غاندي وتبعه أفراد الشعب الهندي الأقمشة الإنكليزية، واستُخدم المغزل لصنع الملابس الشعبية. كان غاندي مؤمناً بسياسة اللا عنف في تحقيق مطالبه، واستخدم سياسة العصيان وعدم التعاون، وقد تحقق ذلك، وكان لديه مقولة مؤثرة، حيث كان يردد "افعل أو مت"، وفي30 يناير 1948 صعق الشعب الهندي ومعه العالم عندما قام شخص من المتطرفين الهندوس يسمى ناتورام جورس باغتيال المهاتما غاندي عن عمر 78 عاماً، وخيم الحزن على شبه القارة الهندية لفقدان رجل عمل على استقلال بلده ونيل حرية شعبه، شخص لم يستعمل العنف ولا التخريب، بل استخدم العقل وحارب بطرق سلمية للوصول إلى هدفه، فكانت أسلحته هي عدم استخدام العنف واللجوء لحركة العصيان السلمي وأسلوب المقاطعة، وعدم التعاون حتى تحقق الهدف السامي له. لقد كان غاندي رجل سلام ومحبة وتسامح.
مقالات
غاندي جي (2-2)
07-11-2019