استيقظ العراق، أمس، على يوم جديد من العصيان المدني في أنحاء البلاد، وخصوصاً في العاصمة، حيث عاودت القوات الأمنية استخدام الرصاص الحي لتفريق متظاهرين يطالبون بـ «إسقاط النظام»، في اليوم الرابع عشر من الموجة الثانية للاحتجاجات.

ولا تزال خدمة الإنترنت مقطوعة بشكل تام في بغداد ومعظم المحافظات، وسط مخاوف بين المحتجين من محاولة عزلهم مجدداً لضرب التظاهرات، على غرار الموجة الأولى التي شهدت عنفاً غير مسبوق.

Ad

وبدأت دائرة الاحتجاجات تتسع في العاصمة منذ ليل الثلاثاء ـــ الأربعاء، مع ما يبدو سعياً من المتظاهرين لتشتيت تركيز القوات الأمنية التي أطلقت الرصاص الحي أمس مجدداً وأوقعت جرحى بين محتجين حاولوا عبور جسر الشهداء، وسط «حرب جسور» بين المتظاهرين وقوات الأمن.

فبعد إقفال جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء التي تضم مقار حكومية وسفارات أجنبية، وجسري السنك والأحرار، يسعى المحتجون إلى إدخال جسر الشهداء ضمن لعبة الكر والفر.

وأفاد مصدر أمني، أمس، بأن 25 شخصاً أصيبوا بحالات اختناق قرب جسر الشهداء، مشيراً الى إغلاق مصرف الرافدين والبنك المركزي العراقي القريبين منه.

وأعلنت قيادة عمليات بغداد، عن إعادة فتح جسر باب المعظم مقابل مدينة الطب، بعد إغلاقه من جانب متظاهرين، مشيرة الى اعتقال مجموعة منهم.

6 مليارات دولار خسائر

قال متحدث باسم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، أمس، إن إغلاق ميناء أم قصر العراقي المهم، الذي يطل على الخليج من جانب محتجين مناهضين للحكومة، كلف البلاد ما يزيد على 6 مليارات دولار حتى الآن.

وقال عبدالكريم خلف، في مؤتمر صحافي، إن إغلاق "أم قصر" يضر البلاد، مضيفا أن هناك مئات الشاحنات لاتزال متوقفة. وذكر أن هذا الأمر يسبب ضررا بالغا للدولة.

ويؤكد المتظاهرون أن عمليات قطع الجسور هي في إطار العصيان المدني المعلن، ولحماية كل الطرقات التي تؤدي إلى المتظاهرين في ساحة التحرير.

ولفتت مصادر أمنية عدة إلى استمرار عمليات الخطف لبعض المتظاهرين، فيما يبدو محاولة لبث الرعب وتجفيف الشارع. وأفاد المرصد العراقي لحقوق الإنسان بشن حملة اعتقالات نفذها ملثمون يستقلون مركبات حكومية.

وإلى جنوب العاصمة، تواصل إغلاق الدوائر الحكومية والمدارس بالكامل في مدن الناصرية والكوت والحلة والنجف والديوانية. وليل الثلاثاء ـــ الأربعاء، أقدم متظاهرون على إحراق منازل نواب ومسؤولين محليين في قضاء الشطرة شمال مدينة الناصرية، بحسب مصادر في أمنية.

كما أغلق متظاهرون، أمس، شركة نفط ذي قار، ومنعوا الموظفين من الوصول إلى مقر الشركة، وفق المصدر نفسه. وقالت مصادر أمنية ونفطية لـ «رويترز» أمس إن محتجين عراقيين أغلقوا مدخل مصفاة نفط الناصرية مركز المحافظة ومنعوا شاحنات تنقل الوقود إلى محطات غاز من الدخول إلى المصفاة، ما يتسبب في نقص للوقود في أنحاء المحافظة. وفي الديوانية، أغلق متظاهرون مصفى الشنافية النفطي.

أما في مدينة البصرة الغنية بالنفط في أقصى الجنوب العراقي، فلا يزال ميناء أم قصر، أحد المنافذ الرئيسية لاستيراد المواد الغذائية والأدوية، مغلقاً لاستمرار تجمع المتظاهرين الذين يقطعون الطريق المؤدية إليه.

صالح وإيران

وعلى المقلب السياسي، تبدو الأمور جامدة حتى الساعة، خصوصاً مع إعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، مساء أمس الأول، أن الحلول المطروحة حتى الآن لا تفي بالغرض، خصوصاً مسألة إجراء انتخابات نيابية مبكرة.

ومسألة الانتخابات كانت مقترحاً من رئيس الجمهورية برهم صالح الذي يجري مشاورات سياسية مع كبار الزعماء في إقليم كردستان العراق.

والواضح حتى الآن أن عبدالمهدي وصالح، في حالة قطيعة، بحسب ما قال مسؤول عراقي لوكالة فرانس برس، لاعتبار الأول أن حليفه تخلى عنه. وأكدت مصادر سياسية عدة مقربة من دوائر القرار لـ «فرانس برس» أن «إيران ليست راضية عن دور صالح في الأزمة الحالية، تخلى عمن أوصله إلى الرئاسة عند أول مفترق طرق».

ولفت العديد من المسؤولين إلى أن عبدالمهدي نفسه أيضاً، أصبح محاصراً ومعزولاً وأن سلطاته بصنع القرار وفريق مستشاريه بات خاضعاً لضغوط متزايدة من إيران.

وتركز غضب المتظاهرين خلال الأيام الماضية، على إيران صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق.

الصدر

إلى ذلك، علمت «الجريدة» أن الزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر لا يزال في إيران، وقد انتقل من مدينة قم العاصمة الدينية للشيعة في إيران الى العاصمة السياسية طهران. وأضاف المصدر أنه جرى نقل عائلة الصدر من العراق الى قم لأسباب أمنية. وكانت مصادر إيرانية كشفت لـ «الجريدة» أن الصدر غادر الى إيران، بعد الكشف عن مخطط لاغتياله، لكن مصادر لم تستبعد أن يكون في شبه اقامة جبرية.

الأكراد

وبينما أكد عبدالمهدي، أمس الاول، أن التعديل الدستوري يمكن أن يصل إلى تغيير طبيعة النظام السياسي العراقي، شكلت القوى الكردية جبهة موحدة في البرلمان الاتحادي تضم 60 نائبا، وسط تخوف الأكراد من أن تؤثر التعديلات الدستورية في ظل موازين القوى الحالية على امتيازاتهم.

استدعاءات

وأعلن مجلس القضاء الأعلى، أمس، عن صدور أوامر استقدام بحق مسؤولين وموظفين من قبل محكمة تحقيق نزاهة المثنى، بينهم احد اعضاء مجلس المحافظة والنائب الثاني للمحافظ ومدير هيئة الاستثمار وأحد موظفيه. كما أعلنت هيئة النزاهة عن صدور أوامر استقدام بحق رئيس ديوان الوقف الشيعي السابق ومنعه من السفر.

لا تحرش

أكدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أمس، عدم تسجيلها أي حالة تحرش رغم مشاركة آلاف النساء في التظاهرات منذ بدايتها.

وقال عضو المفوضية فيصل عبدالله، إن «مراصدنا المنتشرة في أماكن التظاهرات في بغداد والمحافظات أبرزت هذا الأمر كحالة مميزة تؤكد وحدة المجتمع نحو الهدف الأسمى بالإصلاح نحو الأفضل».

وأضاف عبدالله، أن «الهم العام لعموم المشاركين في التظاهرات، رجالاً ونساء، هو العراق ووحدته وسيادته دون الالتفاف على أمور قد يستغلها البعض لتشويه هذه التظاهرات».