أن يتخذ الإنسان قراراً شخصياً كالانتقال إلى منزل آخر أو تغيير مجال العمل أو غيرهما من القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل أبنائه فهذا أمر طبيعي ووارد حسب ما يراه مناسبا، لكن أن يقرر الخروج من الحياة والانتحار بكل سهولة وجرأة فهنا يجب أن نتوقف جميعا لمراجعة النفس وتقييم الأمور وإعادة الحسابات من جديد.نعم ينبغي أن نراجع إحساساتنا ومشاعرنا ونذرف دموعنا، ليس على من انتحر قبل يومين من فئة البدون فقط، بل على كل موقف سلبي لا إنساني بعيد عن الكرامة والمروءة، وكل موقف كنا في مقاعد المتفرجين ننتظر المزيد، فلا يمكن ومن غير المقبول أن يكون التعبير عن الإحساس بالآخر عبر تغريدة في «تويتر» أو صورة في الإنستغرام و»انتهينا»، خصوصا أن حالتي الانتحار تمتا في يوم واحد لا تفصل بينهما سوى ساعات قليلة، فالحزن والمشاركة في المصاب والألم بل الحسرة والبكاء على مثل هذه الحالات المؤلمة أقل ما يمكن القيام به على شابين اتخذا قرارهما بالهروب من الحياة وترك الأسى والويلات لمحبيهما!!
لا أتحدث عن الأسباب والدوافع التي يعرفها الغالبية، ولست متخصصاً في شرح الآثار النفسية والاجتماعية التي ستبقى سنوات في نفوس أقربائهما وأحبائهما، لكنني أستغرب كيف أغمضت عيوننا تلك الليلة، وكيف تناسينا هاتين الفاجعتين بسهولة، وكأنهما حادثتان عابرتان لا تمتان للإنسانية بأي صلة، ألهذه الدرجة أصبح الإنسان رخيصا؟! يبدو كذلك!بعيداً عن كل المشكلات التي مر بها الشابان الفقيدان خلال رحلة العمر الحزينة، والنهاية المؤلمة التي اختاراها، نتساءل: ما الرسالة التي أرادا إيصالها إلى الجميع؟ وهل نعي مضمون تلك الرسالة وهدفها، أم نبقى في عداد الأموات؟! نعم هما ذهبا إلى جوار ربهما لكن حقيقة الأمر أن الأحياء الصامتين هم الأموات، فمن لا يدرك معنى الانتحار وترك الأبناء والآباء والأمهات في مواجهة المجهول لا يمكن أن يكون ذا قلب ينبض بالحياة، ويا لها من حياة، للأسف تطوي صفحة تلو أخرى من الأعمار التي ضاعت بين دمعة هنا وحسرة هناك.نسأل الله الرحمة والمغفرة للشابين ولأهلهما الصبر والسلوان، ونسأله تعالى أن يمنّ علينا بنعمة الإحساس بالآخرين!!
مقالات - اضافات
الهروب إلى السماء!!
08-11-2019