ابتذال
أتتنا موجة تسويقية عنيفة وغاية في الابتذال مؤخراً. مبتذلة، نعم، ولا أجد كلمة أكثر دقة لوصف ما يحدث حولنا بكل أسف، أينما تولّ وجهك فهنالك لوحة إعلانية عملاقة تحدق بك، لوحات إعلانية ضخمة غزت شوارعنا وحجبت الطرق، وامتدت حتى إلى المناطق السكنية، فلم تتركنا وشأننا. عناوينها تعكس اهتمامات المجتمع الاستهلاكي الموجّه، من سيارات فارهة بأسعار مستحيلة إلى خدمات "تجميلية" تقتحم الخصوصيات في فظاظة عرضها في الكثير من الأحيان. ولا ننسى استخدام العبارات التافهة والخاوية من المعنى بالخط العريض لجذب الاهتمام وصدم المتلقي المسكين! دائماً ما يثير اهتمامي مقارنة "الكم والكيف الإعلاني" بين الكويت والدول الأخرى، ففي الدول الأوروبية– على سبيل المثال- تجد الإعلانات انعكاساً لاهتمامات الشعب من أساسيات عملية وعروض توفير، إلى إعلانات عن العروض الموسيقية والمعارض الثقافية. بالطبع، فإن من المنطقي أن تكون طبيعة الدعايات في الكويت عن الكماليات، فنحن خامس أغنى دولة في العالم، لكن بالإمكان توجيه اهتمامات الشعب وموارد الدولة نحو اقتصاد إنتاجي مبدع. للأسف، فإن ذلك لا يحدث قط، لأنه ليس في مصلحة الشركات الكبرى التي لا يهمها سوى الدينار. لا تقتصر بشاعة الإعلانات على كثرة اللوحات الإعلانية الضخمة فحسب، بل تطاردنا هذه الإعلانات على هواتفنا في وسائل التواصل الاجتماعي، فهل يعقل أن تسوق شركة ما منتجاتها عن طريق الاستهزاء بالآخرين إلكترونياً؟ للأسف، أصبح الابتذال معتاداً وأصبح الكلام القاسي والخالي من اللطف والأدب أسلوبا يعتمده الكثير هنا، تلك ظاهرة تدق ناقوس الخطر فما هي إلا عرض لمشاكل كبرى أكثر عمقاً.من حق كل شركة أن تروج لمنتجاتها، ولكن هنالك طرق أكثر رقياً للتسويق تحترم فيها عقلية المتلقي، فأسلوب الصدمة قد يثير الانتباه ويؤدي إلى الانتشار، لكن كثرة الاعتماد عليه تسطح المجتمع وتوجهه نحو الإسفاف، خصوصاً بعد تكوينه لـ"مناعة" ضد الصدمات مع مرور فترة من الزمن. التسويق فن وذوق، ويمكن أن يتم بطريقة مبدعة تجذب المزيد من المشترين وتمتعهم في الوقت نفسه دون أن تجرحهم أو تثير حفيظتهم، فهي عامل كبير في تشكيل ذائقة المجتمع ومزاجه الثقافي العام. هنالك الكثير من الأمثلة المميزة لإعلانات ظلت في الذاكرة الجمعية للناس بسبب جودتها وتميزها ووجود عنصر الإبداع فيها.
لا فائدة من التسويق إن كانت الخدمات سيئة، لذا فإن الأجدر استثمار الأموال في تحسين الخدمات وتوظيف مصممي إعلانات ذوي كفاءة حقيقية، عوضاً عن تسليم أشخاص غير ناضجين الحسابات الرسمية لهذه الشركات، أقصى أفكارهم عن التسويق هو نشر النكت الساذجة والاستهزاء بالغير. قد تجلب هذه الأساليب الرديئة الانتباه لفترة قصيرة، لكنها تفقد الشركات احترامها ومصداقيتها على المدى البعيد، فأعيدوا حساباتكم.