أولاً وأخيراً: التحرك في الوقت الضائع
غريب أمر أغلب الحكام العرب يتجاهلون مطالب شعوبهم ويتركونهم يصارعون الفقر ويواجهون غياب الخدمات والعدالة، ولا يحركون ساكناً لمعاناتهم إلا عندما يثورون عليهم، وتتساقط دماء الأبرياء في الشوارع، هؤلاء الحكام لا ينتبهون للمشاكل والفساد الذي ينهش دولهم إلا عندما يحدث التخريب والفوضى، وتتعقد الأمور وتدخل على الخط دول تنفخ في فتيل الصراعات الطائفية والفئوية، وتخرج الأمور عن السيطرة، وتخسر هذه الدول في أعمال العنف والتخريب أضعاف الأموال التي كان من الممكن أن تستخدم في حل مشاكل الناس ومنع وقوع ما رأيناه في عدد من دولنا العربية من قتل وتدمير، فكما يقولون «الوقاية خير من العلاج»، ولكن أغلب حكام العرب لا يتعلمون من الأخطاء ولا يتحركون إلا بعد فوات الأوان. ولعل ما يحدث في لبنان هذه الأيام خير دليل على تحرك الحكومات العربية في الوقت الضائع، فقد كان واضحاً للقاصي والداني أن الشعب اللبناني يعاني مشاكل كثيرة، فالعملة المحلية تراجعت وأسعار المواد الغذائية ارتفعت والخدمات تردت بشكل مزعج، فضلاً عن تفشي الفساد الذي يأكل الأخضر واليابس في وقت تتصارع فيه النخبة السياسية فيما بينها، وتترك الاقتصاد ينهار، والحكومة أصبح كل تفكيرها لحل مشاكلها الاقتصادية ينصب على فرض المزيد من الضرائب، لذا كان متوقعاً أن تخرج المظاهرات في لبنان، وتبدأ كما حدث في كل الدول العربية التي شهدت انتفاضات بمطالب اقتصادية وإصلاحية، ثم تتحول إلى مطالب سياسية تطالب بإسقاط الحكم والنظام وتغيير الوجوه السياسية التي أفسدت الحياة لتضطر الحكومة في النهاية للاستجابة وطرح ورقة إصلاحية تستجيب فيها لكل المطالب التي رفعها المحتجون، بل أكثر منها في محاولة لنزع فتيل الأزمة وتهدئة الأجواء المشتعلة ليبقى السؤال قائماً: ألم يكن من الأفضل القيام بذلك قبل تحرك المظاهرات ومنع وقوع المصادمات والتخريب وإنهاك الاقتصاد اللبناني المنهك والمنهار أساساً؟ لقد أصبحت المظاهرات والثورات هي سبيل الشعوب العربية للحصول على حقوقها المسلوبة، وإن كانت هذه الحقوق لا تسترد بشكل كامل، فغالباً ما تطرح الحكومات حلولاً تحاول من خلالها امتصاص الغضب الشعبي، ثم سرعان ما تتراجع وتتناسى، ولا تنفذ ما وعدت به لتعود المظاهرات والفوضى من جديد، وهذا ما حدث في العراق الذي شهد مظاهرات على فترات متفرقة رفعت المطالب نفسها، ووعدت الحكومة بالعمل على حل المشاكل، ولكن هذا لم يحدث لتندلع المظاهرات مجدداً بشكل أكثر عنفاً ودموية، فهل سيتكرر هذا السيناريو في لبنان، خصوصاً أن اللبنانيين خرجوا في مظاهرات من قبل، ورفعوا المطالب نفسها التي يرفعونها الآن تقريباً، وحصلوا على الوعود الإصلاحية نفسها التي حصلوا عليها مؤخراً؟ وهل ستظل الحكومة اللبنانية تعالج أزماتها بالمسكنات والوعود، وتترك الصراعات والانقسامات تمزق لبنان من الداخل؟ وهل ستظل الحكومة اللبنانية تراهن على نسيان شعبها، وأنها قادرة على امتصاص غضبه أم أن الأمور ستخرج عن السيطرة، وتتحول إلى فوضى ودمار، ولنا في سورية وليبيا واليمن والعراق خير مثال ودروس وعبر؟