كيف تحولت أسواق الأسهم من مرآة الاقتصاد إلى شمسه الوحيدة؟

نشر في 10-11-2019
آخر تحديث 10-11-2019 | 00:00
No Image Caption
يتفق المحللون عموماً على أن قيم الأسهم أصبحت مرتفعة جداً، إذ يتم تداول بعض أسهم مؤشر «إس آند بي 500» عند ضعفي معدل السعر إلى الأرباح التاريخي لها، في حين تتراجع أرباح الشركات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بوتيرة متسارعة.
تشكل أسواق الأسهم، لا سيما في الولايات المتحدة، إما فقاعات أصول تأبى الانفجار، وإما أنهاراً من السيولة التي ترفض التسرب حتى مع وهن الاقتصاد العالمي، في ظاهرة تثير التساؤلات والتعجب حول ما أصبحت عليه طبيعة الأسواق.

ويتفق المحللون عموماً على أن قيم الأسهم أصبحت مرتفعة جداً، إذ يتم تداول بعض أسهم مؤشر «إس آند بي 500» عند ضعفي معدل السعر إلى الأرباح التاريخي لها، في حين تتراجع أرباح الشركات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بوتيرة متسارعة.

المقصود هنا هو القيمة العادلة، والتي تمثل القيمة المقدرة للأصول والخصوم في دفاتر الشركات لا القيمة السوقية، وقد قال صندوق النقد في تقريره الأخير عن الاستقرار المالي العالمي: يبدو أن أسواق الأسهم مبالغ في قيمتها باليابان وألمانيا والولايات المتحدة.

وأشار الصندوق أيضاً إلى أنه رغم ارتفاع أسعار الأسهم الأميركية، فإن القيم القائمة على الأساسيات انخفضت، مضيفاً أن الأسواق الناشئة هي الأقرب إلى القيمة العادلة في الوقت الراهن.

ومع ذلك، فإن مؤشرات الأسهم الأكثر تضخماً من حيث القيمة مازالت متشبثة بمستوياتها المرتفعة تاريخياً، فهل ترى الأسواق ما لا يظهر في الأفق، مثل نهاية مبكرة للحروب التجارية بين أميركا وشركائها، أو خروج سلس لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

التوجيه الخاطئ للدعم

- حتى لو انتهت الحروب التجارية غداً، فإن تعافي ثقة الأعمال وعودة الاستثمار لسابق عهده سيأخذ بعض الوقت، وحتى إن تم «بريكست» بشكل سلس، فإن الخروج نفسه سيسبب ضرراً دائماً لاقتصادي المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

- لا تزال أسعار الأسهم مرتفعة رغم الدلائل الصارخة على أن الأزمة التي ستضرب النظام المالي العالمي باتت وشيكة، إذ وصلت ديون الشركات إلى مستويات تنذر بالخطر في جميع أنحاء العالم، في حين أن العديد من مؤسسات الإقراض غير المصرفي على شفا الانهيار، بحسب صندوق النقد.

- هناك تفسير واضح لاستمرار أسواق الأسهم في الارتفاع مثل بالونات الهيليوم رغم المشهد الاقتصادي المضطرب، فقد تم تحويل معظم سيولة البنوك المركزية التي كان من المفترض ضخها في شرايين الاقتصاد المختلفة أخيراً من النشاط الاقتصادي الحقيقي إلى تضخيم فقاعات الأصول.

- خففت البنوك المركزية سياستها النقدية لدعم التوسع الاقتصادي، لكن أثناء سعيها إلى تحقيق ذلك خلقت بيئة من المخاطر بجعلها الاقتراض رخيصاً وتشجيع الإقراض بين المؤسسات غير المصرفية التي تخضع لقواعد تنظيمية مبسطة.

- ما يجعل الأمر أكثر إثارة للخوف، هو أنه- وفق ما لاحظ صندوق النقد الدولي- تتوقع الأسواق تخفيض الفائدة الأميركية بمقدار 45 نقطة أساس إضافية بنهاية عام 2020، مع بقاء الفائدة الأوروبية والسويسرية واليابانية في النطاق السالب عدة سنوات.

استغلال السياسة النقدية

- لا يمكن تحويل الأموال من الأسهم إلى السندات في ظل البيئة الحالية، إذ تراجع متوسط العائد على السندات إلى 1 في المئة تزامناً مع ارتفاع أسعارها، استجابة للطلب على الأصول الآمنة، علماً بأن أسعار العقارات هي الأخرى باتت مرتفعة جداً بفعل السيولة الكبيرة.

- يبدو أنه في ظل الوضع الراهن، لا يجرؤ أحد ــــ على الأقل السياسيون الشعبويون أمثال دونالد ترامب ـــ على السماح للأسواق بالهبوط لأكثر من يوم أو يومين، خوفاً من تعرض الفقاعة المالية التي تمثل واجهة الرخاء الاقتصادي للانفجار.

- خلص بحث أكاديمي جديد إلى أن سوق الأسهم له تأثير ملموس على كيفية تصويت الأشخاص الذين يمتلكون الأسهم، وتبين أنه تأثير كبير جداً، لذا فمن المتوقع أن يحظى «وول ستريت» بالدعم حتى الانتخابات القادمة في 2020 على الأقل.

- في 16 أكتوبر الماضي، قال ترامب إن الاقتصاد الأميركي سينهار في حال فاز الديمقراطيون بالانتخابات الرئاسية العام القادم، وبعد أسبوع تقريباً، أعقب هذه التصريحات بالقول إن «الفدرالي» سيكون أهمل واجباته إذا لم يواصل خفض الفائدة وضخ المزيد من الحوافز النقدية.

- من المعلوم أن سوق الأسهم يعد مؤشراً أو مرآة للظروف الاقتصادية في البلاد، فإذا كان الاقتصاد يقدم أداءً جيدًا فسينعكس ذلك على أداء الشركات وربحيتها وأسعار الأسهم، لكن يبدو أن هذا المفهوم بات مشوهاً بعض الشيء، إذ أصبح الاهتمام أكبر بالمرآة من الأساسيات التي تعكسها.

- لو أن هناك رئيسا أميركيا يحاول البقاء في السلطة باستخدام أساليب المدرسة الرومانية القديمة، لكانت أيام السوق الصاعد معدودة منذ فترة بعيدة، لكن الحقيقة أن البنوك المركزية متواطئة في الحفاظ على الفقاعات الحالية.

الشمس الوحيدة للاقتصاد

- هذه الحالة خطيرة جداً، حيث يصبح سوق الأسهم هو مركز وشمس عالم الاقتصاد التي تدور أدوات السياسات في فلكها، وهو ما لا يمكن أن يستمر، أو كما قال صندوق النقد، إن «السياسة النقدية لا يمكن أن تكون اللعبة الوحيدة في المدينة»، في إشارة إلى اعتبارها الأداة الوحيدة لضبط الاقتصاد.

- باتت هناك حاجة ملحة لحوافز مالية، وخصوصاً فيما يتعلق بدعم البنية، تغني عن اللجوء إلى سياسات مثل التيسير النقدي، وهو الأمر الذي يعزز أسعار السندات أكثر من الأسهم، وحينها ستكون الأسهم المرتبطة بالنشاط الاقتصادي الحقيقي الناجي الوحيد خلال الانهيار المقبل.

- إذا تحولت سيولة السوق بسلاسة من قطاعات التكنولوجيا والمستهلكين المتضخمة إلى قطاعَي البناء والصناعة والخدمات اللوجستية الأقل حظًا، فقد لا تنفجر فقاعة الأسعار، أو على الأقل سيكون انفجارها أقل عنفًا، ومع ذلك، سيظل هناك احتمال قوي بأن يكون التحول مؤلماً بالنسبة إلى الأسهم المتضخمة.

- في النهاية، يجب تأكيد حقيقة أن سوق الأسهم جزء من الاقتصاد لا الاقتصاد كله، فالسوق تحركه معنويات المستثمرين، وقد يظهر تصرفات غير عقلانية، خلال فقاعات الأصول وعند بلوغ ذروة دورة العمل، إذ يصبح متفائلا بشكل مفرط رغم عدم وجود بيانات قوية.

- المشكلة أن مرحلة الذروة هي ما قبل الانهيار مباشرة، وقد حدث ذلك قبل تسعين عاماً، حينما لم يدرك المستثمرون أن الركود بدأ في أغسطس عام 1929، وواصلوا دفع الأسهم في «وول ستريت» إلى الأعلى حتى حدث الانهيار في أكتوبر من نفس العام، متسبباً في بدء الكساد العظيم.

back to top