شاركنا في الأسبوع الماضي أهالي بلدة المزرعة الغربية جهودهم لجني محصول الزيتون في المناطق المغلقة والمحاصرة بالمستعمرات الاستيطانية، ولم يكن الدخول إلى تلك المناطق سهلا، إذ يحتل جيش الاحتلال كل الطرق والمداخل، وكان علينا أن نقف في الشمس الحارقة، ساعتين ونصف، قبل أن نستطيع العبور لحقول الزيتون المحاصرة.أراضي المزرعة القبلية والجانية تمثل نموذجا لمئات آلاف الدونمات من أراضي الضفة الغربية المحاصرة بجدار الفصل العنصري والمستوطنات، تخيلوا مئات آلاف الدونمات وعشرات آلاف أشجار الزيتون والأشجار المثمرة الأخرى، ممنوعة على أصحابها بالكامل، ولا يسمح لهم بالدخول إليها إلا مرتين في العام، في أبريل ونوفمبر ولأيام معدودة.
وفي حالة المزرعة الغربية والجانية، مثل مناطق أخرى، لم يسمح لأصحاب الأراضي والمزارعين بالدخول طوال عام كامل، وبالتالي فإن المزارعين يُحرمون من حقهم في رعاية حقولهم وأشجارهم ومن حراثة الأرض وتسميدها، وحتى عندما يدخلون لقطف الزيتون عليهم أن يفعلوا ذلك بسرعة قبل انقضاء الأيام المعدودة المتاحة لهم، وأن يتركوا كثيرا من أشجارهم دون أن يستطيعوا قطف زيتونها.أراضي هذه القرى والبلدات مغلقة على أصحابها، ولكنها مفتوحة على مصراعيها للمستعمرين المستوطنين، وما زاد الطين بلة، أن هؤلاء المستعمرين استغلوا إغلاق الأراضي لسرقة محصول الزيتون الفلسطيني طوال شهر تشرين الأول، ولقطع الأشجار وتخريبها.وقد رأيت بأم عيني شجرة رومية ضخمة في أرض الجانية مقسومة لنصفين، في ما يبدو أنه تخريب مقصود من المستوطنين، فهدف الاحتلال أن يجعل الأرض خرابا، وأن يدفع أصحابها لليأس حتى تسهل مصادرتها، وخلال الشهر الماضي وحده تعرض المزارعون في رام الله، ونابلس، وسلفيت، وبيت لحم، والخليل لعشرات الاعتداءات الوحشية من المستوطنين، بالحجارة، والعصي، والرصاص.وواصلت قوات الاحتلال منع آلاف المواطنين من الوصول لأراضيهم في سلفيت ونابلس رغم الإعلان عن منحهم تصاريح للقيام بذلك، وتعرضت أراضي سكاكا وياسوف للسرقة، وأطلق المحتلون مياه المجاري على أراضي دير الحطب، لمنع أهلها من قطف الزيتون، وذلك بعد سرقة ثمار مئات الأشجار، ولم تسلم عيون الماء في الجبال من التجفيف، والتخريب، والحصار.والحقيقة أن الشعب الفلسطيني لا يواجه جيشا محتلا فحسب، بل عصابات مسلحة، محمية من الجيش، لا تتورع عن ارتكاب أفدح الجرائم، وكل ذلك يجري في ظل إعلان حكام إسرائيل بناء ما لا يقل عن 8337 وحدة استيطانية جديدة هذا العام، بزيادة 50% عن عام 2018، علماً أن التوسع الاستيطاني قد ارتفع خلال فترة ترامب، أي في السنوات الثلاث الأخيرة بنسبة 58%، أي أننا نتحدث عن زيادة في التوسع الاستيطاني بما لا يقل عن 200%.خلاصة القول- بعد أن أصبحت أنباء التوسع الاستيطاني أرقاما تضاف إلى أرقام- أننا نعيش في الضفة الغربية بما فيها القدس، عملية الاحتلال نفسها، والاستعمار الكولونيالي، والتطهير العرقي التي عاشها الفلسطينيون في أراضي 1948.وفي الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحديث المنافق والعاجز عن "حل الدولتين"، وينشغل فيه الدبلوماسيون بالحديث عن عملية سلام لن تحدث، تقوم إسرائيل بتدمير هذا الحل، وتكريس منظومة "الجيتوستانات" ونهب الأرض الفلسطينية، وتفرض نظام الأبارتهايد العنصري.القوة لا تفهم إلا لغة القوة، ولن تتغير الحال إلا بتغيير ميزان القوى، ولن نكون أقوياء إلا بإنهاء انقساماتنا، وتوحيد صفوفنا.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
القوة لا تفهم إلا لغة القوة
10-11-2019