أصدر الفنان التشكيلي محمد قمبر كتاباً جديداًَ يعنى بمدلولات الوجوه في الأعمال التشكيلية باللغتين العربية والإنكليزية، مقدماً لمحة تاريخية عبر رسم الوجه في الحضارات القديمة.ويستهل الفنان محمد قمبر الإصدار، بلمحة تاريخية عن الوجوه وحالاتها التشكيلية، مبيناً أن الوجوه كانت تحظى بمنزلة مرموقة لدى الحضارات القديمة والشعوب التي كانت تعيش في أمكنة مختلفة من الأرض مثل الحضارة الفرعونية، وحضارة بلاد الرافدين في الشرق، وحضارة الأزتك والمايا في أميركا الجنوبية، ويشير إلى أن الحضارات الأوروبية كلها كانت تهتم بالوجوه، لأن لها دلالات وعناوين معبرة حسب الأزمنة والفترات التي كانوا يعيشون فيها. ويلاحظ قمبر أن في البيئات المختلفة، لاسيما الإفريقية، كانت القبائل تعتقد أن الأقنعة والرسم على الوجوه تساهم في طرد الأشباح والأرواح الشريرة أو جلب الأرواح السعيدة.
ويوضح قمبر أن بعض القبائل اتخذت من هذه الوجوه آلهة لمنع بعض الكوارث الطبيعية والحفاظ على حياتهم وزيادة محاصيلهم الزراعية، مشيراً إلى أن تنوع هذه الوجوه واختلاف أشكالها، حيث كانت بعض الوجوه بشعة، وأخرى فكاهية وغيرهما داكنة الألوان أو زاهية.والآن في الزمن الحديث نجد في بعض الدول تنظم المهرجانات ويرتدي فيها المحتفلون الأقنعة الزاهية والجميلة مع إضافة ريش الطيور عليها وبعض الخرز الملون، وتزدهر هذه الطقوس في دول أجنبية مثل أميركا الجنوبية وبعض الدول الأوروبية.
مقتنيات خاصة
وحول الأعمال التي يتضمنها الإصدار، يقول قمبر: «في هذه المجموعة رسومات ولوحات لفنانين معاصرين، وهي من مقتنياتي الخاصة لعدد من الفنانين المتميزين في التعبيرات عن الوجوه في حالاتها الذاتية والنفسية وانطباعاتهم وتأثيرهم فيها، والمتصفح للإصدار سيجد هؤلاء الفنانين يعبرون عن تفاعلهم وانطباعاتهم بكثير من الدقة والصدق، ومن هنا علينا أن نذكر بعض الفنانين الذين أجادوا في تصوير ملامح الوجوه بدقة متناهية، ومنهم موديلياني وبيكاسو وماتيس وغيرهم الذين تركوا بصماتهم الفنية الرائعة عبر الفنون المعاصرة».وأضاف: «وفي الاعمال التي اخترتها ضمن الإصدار سيجد المتصفح الإصدار أن ثمة أساليب متنوعة في التعبير عن الوجوه لاسيما أن لكل فنان أسلوبا ورؤية ضمن هذا الإطار، فالوجوه تعكس الشعور الداخلي في الوجدان وهي مرآة للنفس».الحالات الجمالية
ويستطرد قمبر في الحديث عن تباين مضامين الأعمال، إضافة إلى طرق تنفيذها وفقاً لرؤى الفنانين ودفقة مشاعرهم، ويقول ضمن هذا الإطار: «تترجم الوجوه في الإصدار بعض الأفكار والحالات والأحاسيس التي يعيشها الفنان مثل الحزن والفقر والبؤس والاضطهاد والحروب التي أثرت في الإنسان بشكل كبير، كما تصور الأعمال بعض الحالات الجمالية مثل ان يعبر الفنان عن الوجوه الطفولية وخصوصياتهم، او فنانة تعبر عن حياة النسوة، وآخر يعبر عن الوجوه بأسلوب زخرفي، وفنان آخر بطريقة سريالية، وفنان آخر بطريقة رومانسية».شكل مغاير
وفي الإصدار، يكتب الفنان التشكيلي العراقي سنان حسين ضمن السياق ذاته، مبيناً أن في تعدد الملامح يتكون التعبير، ويظهر المنطق لإيجاد شكل مغاير يحيلنا لبناء مفهوم جديد بما له علاقة بإشكالية جديدة بفلسفة الوجه، وخاصة الدهشة التي تسكن أرجاء المجتمع إزاء ما يحدث من رعب، لذلك الراصد للأعمال سيجد أن الجسد يتم التعبير عنه بطريقة مركبة، حيث سيجد إنسانا برأس حمار أو ثور، ويكتمل الجسد بأطراف أخرى، ويمكن أن تكون قطعة جماد هذا هو جسد الانسان الآن بمجتمعنا الحديث.ويرى سنان أن القلق والتناغم والتحاور هي عناصر استدلال لمفهوم الذات نعبر به بالجسد والوجه، فيمر الزمن ويبني تراكمات لهالة مفادها التعبير لكل خط أو تكور او تقعر تعنيها الحياة والزمن يظهر بهذا الحيز وهو الجسد المشكل. أما عن ملامح وجه لوحتي هي ذاتي بتعدد اشكالها منذ طفولتي وجدران المدينة القديمة ترسم تلك الاجساد المتطايرة كأحلام الطفولة والارواح المتراكمة منذ عهد قديم شخصيات مر بها هذا الزمن لأجد وجوها تتشابه بتشابه الجدران المكسرة المعتقة بروح التناغم اللوني، وهذا ما أجد فيه ما هو غائب، فالحقيقة نصف غائبة دائما.نصف الحقيقة
كما تشارك الفنانة سوزان بشناق في الإصدار من خلال طرح وجهة نظرها حول فكرة الوجوه في الاعمال التشكيلية، وتقول ضمن هذا السياق: «الفنان عندما يرسم وجها سواء من الخيال أو لشخصية حقيقية فهو يضع شيئا من ملامحه أو من روحه وشخصيته، وذلك واضح في كثير من اللوحات التي رأيتها مثل الموناليزا، وعندما نتأملها نجد بها ملامح الفنان ليناردو دافنشي... وكثيرا ما نلاحظ تعليقات الجمهور للفنان «وجوهك التي ترسمها تشبهك» وجوه مودلياني مؤثرة ومعبرة ولا يزال تأثيرها واضحا على أجيال بعده.وعن طرق الفنانين في التعبير عن ملامح الوجه في أعمالهم، أوضحت بشناق: «كل فنان يعبر بطريقته الخاصة سواء بالمبالغة او التجريد او حتى أحيانا نرى الوجه بدون ملامح مجرد كتلة ألوان توحي بوجود ملامح»، مضيفة: «بالنسبة لي الوجه نصفان؛ الأول بعض الملامح، والنصف الثاني مع الظل والمحط لأنني ارى ان الانسان لا يعرف عن نفسه الا نصف الحقيقة، وكذلك المحيطون به يرونه من منظورهم الخاص».وفيما يتعلق برسم الأطفال للوجه، ترى أن رسم الوجه عند الاطفال يقترب من الصدق والشفافية، لأنهم يعبرون بتلقائية، وكلما كان الوجه اكثر تلقائية كان محببا واقرب الى ملامسة روح المتلقي.وتشير بشناق إلى أن الوجه وتعابيره تعكس الحالات النفسية للإنسان، فالإنسان هو الكائن الوحيد التي تظهر مشاعره بوضوح على وجهه، ومنها الحزن والفرح والغضب وغيرها، وكذلك الوجه احيانا يعكس صفات الشخص مثلا إنسان طيب او لئيم. وعالم الفن في الوجوه لا ينتهي، لأن كل فنان له بصمته الخاصة في التعبير عن الوجه من خلال ثقافته ونظرته ورؤيته.وبدورها، تقول الفنانة كادي مطر، إن «هناك دائما متعة في تأمل الوجوه والاشياء من حولي، فالوجوه مليئة بالمفردات التعبيرية التي نغفل في كثير من الاحيان الالتفات اليها أو الوصول لماهية الروح من خلالها»، لافتة إلى أن «الوجه مرآة الروح، والكثير يمكنهم التوقف عند التعابير الخارجية، في حين قلة قليلة تستطيع الولوج لما هو اعمق من ذلك، وهذا ما يكشف عمق الشخص الآخر وروحه ايضا او من روحه وشخصيته».وحول تجربتها مع الوجوه، قالت: «عمدت لرسم اعمالي بخامة الاكريليك غالبا والميكس ميديا، في بعض الاحيان اجسد بها المشاعر الداخلية لما هو متخيل او معيش من ذواتنا الانسانية، وما يطفو على الوجوه من تعبيرات تؤكده وتستوقف المشاهد لتأمله بعمق في قراءة فسيولوجية تشده للتساؤل حول ماهية هذا الشعور في اللوحة الفنية بما تحمله من أجواء».أعمال مهنية كثيرة
ولد محمد قمبر عام 1950 بحي شرق، وحصل على بكالوريوس التربية الفنية من مصر، ثم نال درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة واشنطن بالولايات المتحدة، وله أعمال مهنية كثيرة، إذ انخرط في التدريس مدة عقد من الزمن، وكان محاضراً لمادة الرسم والتصوير وتاريخ الفن. أقام قمبر مجموعة معارض متنوعة في الكويت وخارجها، إذ نظمت له صالة بوشهري للفنون ثلاثة معارض في الأعوام 1985 و1986 و1994، واستضافت صالة المتحف الوطني معرضاً شخصياً له في عام 1986، كذلك عرض أعماله على فترات متباعدة في صالة الفنون بضاحية عبدالله السالم في الأعوام 1999 و2004 و2010، وكانت قاعة «فا» استضافت أحد معارضه الشخصية بالكويت في يناير 2014.كذلك عرض أعماله في إسبانيا ويوغوسلافيا واليابان وتركيا وبلجيكا والنمسا والصين وإيطاليا والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية. ومن أشهر أعماله خارج الكويت نصب تذكاري في اسبانيا، وجدارية في أصيلة بالمغرب، ولوحة أخرى في مبنى جامعة الدول العربية، ولوحة في مكتبة الرئيس بوش الأب، وإحدى لوحاته طُبعت على طابع تذكاري في سويسرا 1990.