أوروبا أضعف من أن تواجه ترامب!
إذا بقيت الآمال بصمود حلف الناتو قائمة على المدى الطويل، يجب أن يزيد الأوروبيون مساهماتهم، وإذا خسرت الولايات المتحدة مصداقيتها بدرجة إضافية أو امتنع الناتو عن توفير نظام ردع فاعل، فسيضطر الأوروبيون حتماً لبذل جهود مضاعفة، ومن الأفضل على الأرجح أن يبدؤوا بتنفيذ هذه الخطة منذ الآن.
![بوليتيكو](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1600280486508944800/1600280507000/1280x960.jpg)
تاريخياً، كان دور الدعم الأميركي محورياً لضمان تماسك أوروبا، فعدا عن الدعم الدبلوماسي كانت الضمانات الأمنية الأميركية كفيلة بتوفير الشروط اللازمة لنشوء الاتحاد الأوروبي في الأساس، لكن في ظل تراجع مصداقية المظلة الأمنية الأميركية خلال عهد ترامب، من المنطقي أن تعود التصدعات القديمة إلى الواجهة وأن تنشأ انقسامات جديدة.في حين يزداد الناتو ضعفاً ستحاول بلدان أوروبية عقد اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة لضمان أمنها، وستؤيد أخرى الضغط باتجاه التوصل إلى حل أوروبي شامل. في الوقت نفسه سيخسر الاتحاد الأوروبي واحداً من أقوى جيوشه بعد تطبيق خطة "بريكست".على صعيد آخر لم يتّضح بعد إلى أي حد يستطيع الأوروبيون إنشاء جبهة موحدة للدفاع عن النظام الليبرالي. يحب القادة الأوروبيون إلقاء خطابات مضخّمة حول ضرورة إنقاذ النظام الدولي الليبرالي، لكنهم يترددون في المجازفة بحياة جنودهم أو بأموالهم دفاعاً عنه.يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تقترب أوروبا من النموذج الروسي في عهد فلاديمير بوتين، أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فتبدو غير مستعدة لحظر الشركات الصينية من البنى التحتية المرتبطة بشبكات حساسة في ألمانيا، خوفاً من إثارة استياء الحزب الشيوعي الصيني. إذا كان الوضع على هذه الحال راهناً، فماذا سيفعل الأوروبيون إذا فاز ترامب بولاية جديدة؟ لا تزال أوروبا تنكر حجم التدهور المرتقب، واليوم أصبح شائعاً أن يدعو السياسيون الأوروبيون الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء الحاجة لحصد الإجماع عند اتخاذ القرارات في السياسات الخارجية والأمنية، لأن صعوبة تحقيق ذلك الإجماع تعوق مسار أوروبا برأيهم، لكن بعيداً عن ضرورة الرد على شعار ترامب، "أميركا أولاً"، يجازف هذا الموقف بزيادة الأوضاع سوءاً.لا يمكن أن نتوقع من بلدان قوية أن تستعمل مواردها لتنفيذ سياسات خارجية ترفضها، قد ينجح إلغاء الحاجة إلى الإجماع في مجالات أخرى، لكنها مقاربة كارثية في السياسات الخارجية والأمنية في زمنٍ تستفحل فيه حملات التشكيك بالاتحاد الأوروبي. بدل تسهيل عمل الاتحاد ككيان موحّد، ستكون هذه الخطوة بمثابة هدية مجانية للشعبويين اليساريين واليمينيين.لن تتقدم أوروبا إلا بإيقاع أكثر الأعضاء تشكيكاً بها، وسيزداد الوضع صعوبة أيضاً إذا استغل البيت الأبيض الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لا تستطيع أوروبا أن تنتظر من دون تحريك أي ساكن، على أمل أن يعود الوضع إلى ما كان عليه تلقائياً، فقد كانت ميركل محقة حين اعتبرت أن أوروبا مضطرة لبذل جهود إضافية لتقرير مصيرها بنفسها.لا يعني ذلك أن أوروبا تستطيع تحمّل كلفة التخلي عن الولايات المتحدة بالكامل، بل يجب أن تتخذ مساراً شائكاً وتُطبّق سياسات قادرة على تحقيق هدفَين في الوقت نفسه: تعزيز اتكالها على نفسها، والحفاظ على علاقات حسنة مع واشنطن.تقضي الخطوة الأولى بتكثيف الاستثمارات في المجال الدفاعي. لطالما ضغط الأميركيون على الأوروبيين لحثّهم على زيادة مساعيهم لحماية أمنهم الخاص ولن تتغير هذه السياسة، حتى بعد رحيل ترامب من منصبه.إذا بقيت الآمال بصمود حلف الناتو قائمة على المدى الطويل، يجب أن يزيد الأوروبيون مساهماتهم، وإذا خسرت الولايات المتحدة مصداقيتها بدرجة إضافية أو امتنع الناتو عن توفير نظام ردع فاعل، فسيضطر الأوروبيون حتماً لبذل جهود مضاعفة، ومن الأفضل على الأرجح أن يبدؤوا بتنفيذ هذه الخطة منذ الآن.* مارسيل ديرسوس* «بوليتيكو»
من المتوقع أن تنتج ولاية دونالد ترامب الثانية انقسامات جديدة في القارة الأوروبية
ترامب أهان عدداً من القادة الحلفاء في كل فرصة سانحة مع أنه بالغ في المقابل في التودد لأنظمة استبدادية
ترامب أهان عدداً من القادة الحلفاء في كل فرصة سانحة مع أنه بالغ في المقابل في التودد لأنظمة استبدادية