بغداد ترفض التدخلات وسط تجاذب بين واشنطن وطهران
قوات أمنية تشارك لأول مرة في مسيرة احتجاجية بكربلاء
بعد أن اتهمت إيران الولايات المتحدة بدعم المحتجين العراقيين، وردّت واشنطن أمس الأول بالقول إن العراقيين لن يسمحوا باستمرار تحكّم طهران ببلدهم، بدا أن الساحة العراقية تنزلق مجددا الى النزاع الأميركي - الإيراني. في هذا السياق، أكدت رئاسة الجمهورية العراقية، أمس، أن "الإصلاح المنشود هو قرار عراقي بامتياز، ويأتي استجابة لإرادة العراقيين، ولا يمكن أن يخضع لإملاءات خارجية، فأي تدخّل خارجي مرفوض وغير مقبول".وبعد يوم من مطالبة واشنطن بغداد بانتخابات مبكرة وإجراء إصلاحات لإنهاء الأزمة، نقلت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية عن مصدر مسؤول قوله إن "العراقيين يقررون وفق أولويات مصلحتهم الوطنية، وباحترام إرادة المرجعية الدينية، وضمن السياقات الدستوریة والقانونية، وبقرارهم الوطني المستقل".
وشنت عدة أحزاب وشخصيات سياسية عراقية هجوماً لاذعاً على واشنطن غداة انتقاد البيت الأبيض "استنزاف طهران للموارد العراقية واستخدامها الميليشيات المسلحة ضد الاحتجاجات".ورفضت كتلة "سائرون" النيابية، أي تدخّل أجنبي. وشددت الكتلة التي يرعاها رجل الدين مقتدى الصدر على أن سيادة العراق واستقلالية قراره السياسي "من الثوابت الوطنية".وفي تصريح منفصل، أكد الصدر أنه لن يسكت إذا كانت الانتخابات المبكرة التي دعا لها ستكون بإشراف أميركي، وهدد بتظاهرات مليونية تنهي الوجود الأميركي بالعراق في حال "تدخلت واشنطن مرة أخرى"، مشددا على أنه لن يسمح لأميركا بـ "ركوب الموج لتحويل العراق إلى سورية وإلى ساحة صراع أخرى". في موازاة ذلك، دان رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، "كل أشكال التدخل الخارجي في الشأن الداخلي"، مؤكدا أن "العراقيين قادرون على معالجة مشاكلهم ضمن مؤسساتهم الدستورية".كما شدد رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي على ضرورة إجراء الإصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون، بعيداً عن التدخلات الخارجية، مشيرا إلى "أننا نريد أصدقاء يساندون ولا نريد أعداء يتدخلون".ورأى الأمين العام لـ "عصائب أهل الحق"، الموالية لإيران، قيس الخزعلي، أن "تصريح البيت الأبيض كشف عن حجم التدخل الأميركي، وهو دليل أن مشروع الانتخابات المبكرة أميركي بالأساس يُراد إحياؤه، رغم أن المرجعية الدينية رفضته سابقاً عندما أكدت على الانتخابات الدورية. والكلمة الأخيرة كلمة المرجعية المعبّرة عن مطاليب الشباب المتظاهر".واعتبر الناطق العسكري باسم كتائب "حزب الله" العراقية، جعفر الحسيني، أن "هناك أدلة ملموسة على تدخّل الأميركيين بعد خروج التظاهرات العفوية في العراق"، مضيفا أن "الأميركيين حاولوا زرع الفتنة بين القوى الأمنية والحشد الشعبي والمتظاهرين في البلاد".وفي وقت سابق، اتهم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي واشنطن وقوى إقليمية بتحريك احتجاجات العراق ولبنان ضمن مؤامرة تهدف إلى ضرب نفوذ بلاده.في السياق، عبّر مسؤولان عراقيان عن "الأسف العميق" لمقتل محتجين خلال الاضطرابات المستمرة منذ مطلع أكتوبر الماضي، لكنهما دافعا عن أسلوب تعامل القوات الأمنية مع الأحداث، رغم سقوط 320 قتيلا. وخلال مراجعة بالأمم المتحدة لسجلات الدول الأعضاء، فيما يتعلق بحقوق الإنسان في جنيف، اتهم دبلوماسيون من عدة دول الحكومة العراقية باستخدام القوة المفرطة.واعترف وزير العدل العراقي فاروق عثمان بحدوث "انتهاكات فردية" من أعضاء وكالات مسؤولة عن إنفاذ القانون، قائلا إنه يجري التحقيق معهم.وأصدر دبلوماسيون من عدة دول بينها الولايات المتحدة انتقادات لاذعة لبغداد.ووصفت هولندا استخدام القوة ضد المتحجين العراقيين بأنه "غير مشروع وعشوائي ومفرط". وعبّرت ألمانيا عن قلقها العميق وحثت على اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع مقتل مزيد من الأشخاص.في هذه الأثناء، واصل طلاب ومعلمون اعتصاماتهم، أمس، في مدن متفرقة في جنوب ووسط العراق، تزامنا مع مساعي الأمم المتحدة الضغط على الحكومة لتبني إصلاحات كبيرة في غضون 3 أشهر لمواجهة الاحتجاجات التي تطالب بـ "إسقاط النظام".ودعت نقابة المعلمين العراقيين أعضاءها إلى تظاهرة موحدة اليوم. وشهدت ساحة التحرير وسط العاصمة توافد أعداد كبيرة من المحتجين، وذلك بعد التصريحات التي نقلت عن المرجع الديني علي السيستاني أن "المحتجين لن يعودوا إلى منازلهم إلا بعد تحقيق المطالب".ووقعت صدمات بين المحتجين وقوات الأمن قرب ساحة الخلاني القريبة من جسر السنك، والتي لا تبعد كثيرا عن ساحة التحرير، وسجلت عدة إصابات في صفوف المتظاهرين بحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع.وفي الناصرية جنوبي البلاد، التي شهدت أمس الأول سقوط أربعة قتلى و150 مصابا، قطع جسر الزيتون على نهر الفرات، وسط المدينة، في الوقت الذي أغلقت فيه العديد من الدوائر الحكومية أبوابها بسبب تصاعد الاحتجاجات هناك.وأعلنت خلية الإعلام الأمني، سقوط صاروخين على منطقتي الإسكان والشعب في بغداد دون تسجيل إصابات.وفي كربلاء شارك عناصر أمن للمرة الأولى في مسيرة احتجاجية. إلى ذلك، استعرض وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم، في اتصال هاتفي تلقاه من نظيره السعودي فيصل بن فرحان، تطورات الأوضاع في العراق، والحزم الإصلاحية التي أطلقتها الحكومة لتلبية مطالب المتظاهرين.وقالت وزارة الخارجية إن الطرفين بحثا "سبل تدعيم العلاقات بين بغداد والرياض بما يساهم في تلبية تطلعات كلا البلدين، واستعرضا ضرورة الدفع باتجاه إيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة".