رغم الأداء الجيد لبورصة الكويت منذ بداية العام حتى نهاية أكتوبر الماضي، فإن هناك تبايناً في أداء المؤشرات والأسهم يمكن وصفه بـ «غير الصحي» نتيجة الاتجاه الكبير في السيولة والمكاسب لمصلحة مؤشر معين وأسهم محددة.وبنظرة عامة، نجد أن البورصة كسبت خلال 10 أشهر في مؤشر السوق الأول 17.9 في المئة، وكان نصيب السوق الرئيسي من المكاسب 0.4 في المئة فقط.
وهو ما نتج عنه ارتفاع مؤشر السوق العام بـ 12.6 في المئة، أما السيولة التي تعبر بشكل أدق عن اتجاهات السوق فقد أكدت وجود انحراف لافت في التداولات منذ انطلاق فكرة تقسيم البورصة إلى 3 أسواق، هي الأول والرئيسي والمزادات، والأخير بالكاد تجري عليه صفقات في البورصة.فالبورصة تداولت خلال 10 أشهر ما قيمته 6.566 مليارات دينار، نال السوق الأول 81.7 في المئة بواقع 5.364 مليارات، في حين حاز السوق الرئيسي 1.203 مليار بنسبة 18.3 في المئة من إجمالي التعاملات، وهنا يمكن استنتاج أمرين على مكونات السوق، هيئة أسواق المال وشركتي بورصة الكويت والكويتية للمقاصة، التنبه لهما، أولهما أن هناك اتجاهاً مبالغاً به في السيولة نحو السوق الأول يتطلب معالجة لمسائل السيولة في السوق الرئيسي، أما الآخر فيرتبط بأن جانباً مهماً من نمو السوق الأول منسوب إلى نمو تملك الأجانب في البنوك الكويتية التي ترقت إلى مؤشري فوتسي راسل وستاندرد آند بورز للأسواق الناشئة، ومرشحة بقوة للترقية ضمن مؤشر msci مورغان ستانلي ـــ بجهود هيئة الأسواق والبورصة والمقاصة ــــ إذ تضاعفت ملكيات الأجانب في القطاع المصرفي خلال عام 2019 بنحو 4.5 مرات مقارنة بنهاية العام الماضي حتى بلغت 1.488 مليار دينار.ولم يحظَ السوق الرئيسي في أيٍّ من الأشهر الـ 10 الماضية بنسبة أفضل من 28 في المئة من سيولة التعاملات خلال شهر، وهو أكتوبر، الذي شهد أيضاً جلستَي تداول تفوقت فيهما تعاملات السوق الرئيسي على السوق الأول بالسيولة لأول مرة منذ تقسيم السوق في أبريل 2018.
مخاطر مستترة
وإذا كانت مخاطر توجه السيولة نحو أسهم معينة في السوق الأول دون بقية الأسهم المدرجة معروفة للمتداولين، فإن اعتماد السيولة على تعاملات الأجانب له مخاطر مستترة، فرغم فوائد ترقيات البورصة على المؤشرات الدولية من الجوانب التنظيمية والمالية، فإنه لابد من الإقرار بوجود سوق في العالم يرتكز بشكل أساسي على تعاملات الأجانب التي يمكن أن تنسحب في أي فترة نتيجة لعوامل جيوسياسية في المنطقة، أو لاختلال وزن البورصة في المؤشرات الدولية دون المستثمر المحلي، خصوصاً المؤسسي الذي يبدو غيابه واضحاً في التعاملات اليومية لبورصة الكويت، وهو أمر يتطلب معالجات تنظيمية لتنمية الاستثمار الأجنبي بالتوازي مع رفع حصة المستثمر المحلي، إلى جانب تشجيع المستثمرين على التوجه إلى الأسهم ذات الملاءة والتشغيل والعوائد في السوق الرئيسي.تسويق المنتجات
فالبورصة وبعد تحولها إلى شركة خاصة طرحت مجموعة من المنتجات الاستثمارية الجديدة على المتداولين في السوق مثل صناديق الريت والبيع على المكشوف، ونظام صانع السوق الذي حصلت بعض الشركات على موافقة لمباشرة العمل فيه، لكنها لم تسوقها للمتعاملين إن شركات أو أفراداً، رغم أن هذه الأدوات تعتبر من محفزات التداول والسيولة، فضلاً عن حرمان المتعاملين من النظام المألوف لديهم سنوات طويلة والمتمثل في خدمة «الأجل»، ويكفي أن نعرف أن قواعد البيع على المكشوف التي أصدرتها المقاصة قبل 4 أشهر موجودة فقط باللغة العربية مع وجود مستثمرين أجانب بالسوق... إضافة إلى ضرورة توفير جميع المعلومات عن تعاملات الأجانب لتشمل كل الأسهم المدرجة وليس فقط القطاع المصرفي، وحبذا لو تحولت الإحصائية الأسبوعية إلى يومية، نظراً لحساسية أثر هذه الملكيات على أداء السوق. كما يفترض بالبورصة أن تبذل جهودا لتسويق هذه المنتجات بشكل يوازي تحركها القوي لتسويق البورصة في الأسواق الدولية.تنظيم الانسحابات
كما أن تحفيز السيولة في السوق الرئيسي يتطلب وضع قواعد خاصة لتنظيم الانسحابات من السوق، وهو هاجس لدى شريحة كبيرة من المتداولين لا سيما صغارهم عبر اقتراحات تدرس مثل استحواذ كبار الملاك المؤيدين للانسحاب على حصص صغار المساهمين أو غيرها من خيارات تضمن حق المستثمرين في بيع أسهمهم، إلى جانب ضرورة تعميم خيار مؤتمر المحللين الماليين على السوق الرئيسي، على غرار المعمول به في السوق الأول، أو على الأقل بشكل سنوي لا فصلي، وعمل الجولات الترويجية لجذب المستثمرين، وخصوصاً أن هناك شركات عديدة في السوق الرئيسي لديها أعمال تشغيلية وأرباح، وذات أسعار مغرية.مهنية التوصيات
ولتحقيق مزيد من المهنية في السوق لابد من ضبط فوضى التوصيات ونصائح البيع والشراء وأسعار الأسهم المستهدفة، والتي باتت تصدر من جهات غير معروفة، مما يسبب لغطاً في السوق وربكة للمساهمين، وهنا يأتي الحل من خلال ترخيص هيئة أسواق المال لمجموعة معلنة من الشركات ذات الخبرة والشفافية في إصدار التوصيات والتحليلات، وبعدها يكون المستثمر مسؤولاً في حالة اعتماده على توصيات جهات غير مرخصة.ومن المعروف أن الشركات التي فازت بمزايدة البورصة كانت لمدة طويلة لديها ملاحظات على أداء وقرارات إدارة البورصة السابقة، وبالتالي فإنه عليها مسؤولية كبيرة في رفع جاذبية السوق وسيولته ورغبة المستثمرين فيه، خصوصا المحليين، وهو أمر فيه قدر عالٍ من التحدي لكنه مهم وأساسي على المدى الطويل.