دخلت الأزمة السياسية في لبنان مرحلة جديدة بعد تصاعد العنف خلال اليومين الماضيين بشكل بات يهدد السلم الأهلي. وتبدل مشهد قطع الطرقات الذي طغى خلال 28 يوماً، منذ بدء الاحتجاجات على أوضاع المعيشة والمطالبة بتشكيل حكومة جديدة بعد سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري بفضل التظاهرات، مع مقتل عضو مجلس بلدية الشويفات علاء أبوفخر بإطلاق نار، مساء أمس الأول، أثناء مشاركته في الاعتصام الشعبي عند مثلث خلدة، استنكاراً لمقابلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التلفزيونية، إضافة إلى خروج مسلّحين في منطقة جل الديب، وإطلاقهم النار باتجاه المتظاهرين في هذه المنطقة.
في السياق، ناشد البطريرك الماروني بشارة الراعي رئيس الجمهورية إيجاد حل سلمي لما تتخبط فيه البلاد، في وقت تخوفت مصادر أمنية، في حديث لـ "الجريدة" أمس، من "انفلات الوضع الأمني بلبنان في ظل التظاهرات التي تعم مختلف المناطق مع بروز عناصر مؤيدة للرئيس عون مستعدة للاشتباك مع المتظاهرين الذين صعّدوا مواقفهم أمس مطالبين برحيله". وأضافت المصادر أن "كلام بعض القياديين في الأحزاب حول أن ردة الفعل على كلمة عون كانت معدة مسبقاً يهدف إلى قسم الشارع والاستعداد لمرحلة جديدة عنوانها التصدي للمتظاهرين"، مؤكدة أن الوضع بات يحتاج تنازلاً سياسياً إنقاذياً كبيراً قد لا يقتصر على تكليف رئيس جديد للحكومة، مع ارتفاع خطاب المحتجين في الشارع واتساع دائرة المنتفضين. وكان المحتجّون عادوا، أمس، إلى ورقة قطع الطرقات الأساسية على امتداد الأراضي اللبنانية، وتظاهروا أمام القصر الجمهوري بعيد الكلام الذي صدر عن الرئيس عون، "المستفز"، للمتظاهرين، لاسيما قوله: "إذا مش عاجبهم ولا حدا آدمي بالسلطة يروحوا يهاجروا".سياسياً، استمر التخبط على حاله، بل بدا أن منسوبه ارتفع، فقد ضج البازار الحكومي بموجة من التسريبات المتعمدة من جهات معنية بالتكليف والتأليف عنوانها اعتذار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عن عدم التشكيل، الأمر الذي نفته بشدة أوساط الحريري، مستغربة استخدام عبارة الاعتذار عن عدم التشكيل، "وهو لم يكلَّف بالمهمة بعدُ". واعتبرت المصادر أن "هدف هذه التسريبات ممارسة الضغط على الرئيس الحريري لحمله على الخضوع للشروط التي تحاول بعض القوى السياسية فرضها عليه"، مؤكدة أن "الحريري عند موقفه بضرورة تأليف حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص لتنفيذ أجندة اقتصادية محددة تتضمن ورقة الحكومة الاقتصادية وبعض العناوين الإصلاحية خلال 6 أشهر". وأشارت إلى أن "هذا الاقتراح مازال يصطدم بالإصرار على حكومة مختلطة من السياسيين والتكنوقراط"، وهو ما أكده الرئيس عون خلال استقباله أمس مدير دائرة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو. وقال عون إن "التحركات الشعبية القائمة حالياً رفعت شعارات إصلاحية هي نفسها التي التزم رئيس الجمهورية بتحقيقها، ولكن الحوار مع معنيين في هذا الحراك الشعبي لا يزال متعذراً، رغم الدعوات المتكررة التي وجهتها إليهم"، مكرراً خياره بأن "تكون الحكومة الجديدة مؤلفة من سياسيين وتكنوقراط لتأمين التغطية السياسية اللازمة كي تتمكن من نيل ثقة الكتل النيابية إضافة إلى ثقة الشعب". وكان الرئيس عون حذر في مقابلة مساء أمس الأول مما وصفه بـ"كارثة، في حال استمرار الاحتجاجات بشكلها الحالي"، لافتاً إلى أنه دعا المتظاهرين إلى الحوار لحل الأزمة، دون تلقي أجوبة منهم. واستنكر الرئيس اللبناني استمرار التظاهرات، معقباً بأن "من لا يقبل المشاركة في الحوار من الحراك، فليترك البلد ويهاجر".
أخبار الأولى
لبنان: تنازل سياسي كبير أو الفوضى
14-11-2019