گصة بگصة!
قِصة بقِصة (أو گصة بگقصة) من الأعراف الكويتية القديمة في الزواج، كان الغرض النبيل منها المحافظة على إبقاء حالات الزواج في دائرة العائلة الواحدة حفاظاً على تماسكها أو تخفيف أعباء الزواج ونفقاته، خاصة الصداق في زمن الفقر فيما يشبه المقاصة الاجتماعية، ولكن البعض استغل هذا العرف للابتزاز أو كشرط مسبق لإجبار الطرف الأضعف على تزويج إحدى بناته رغماً عنها وعن أبيها لطمع أو مصلحة أو لعدم التكافؤ بين العروسين خاصة مع فارق العمر أو المستوى الاجتماعي.هذا باختصار ما جرى في جلسة الاستجوابات الأخيرة في مجلس الأمة، كمخرج من حالة الغضب الشعبي الذي عبر عن نفسه من خلال وقفة "بس مصخت" في ساحة الإرادة مقابل مبنى البرلمان، لتضييق الخناق على مجلس الأمة والحكومة وتعريتهما في مواجهة الفساد والبعثرة السياسية في كل أمور الحياة.في حركة استعراضية ومسرحية حاول الكثير من النواب تسجيل بطولة وهمية تمثلت بالتكالب على وزيرة الأشغال المستجوبة بتقديم ورقة إضافية لطرح الثقة كانت بمثابة طلب حكومي خالص، كما تعكسها أسماء مقدميها ممن كانوا طوال السنوات الثلاث الماضية بصامين للحكومة في الحق والباطل، كتطبيق عملي لصفقة قِصة بقِصة.
أما تفاصيل هذه الصفقة فتتمثل في اللقاء الجماعي المدبّر لعدد كبير من النواب بعد اتفاق أقطاب في السلطتين التنفيذية والتشريعية على تحصين رئيس الوزراء من المساءلة، وشطب استجوابه في اللجنة التشريعية، واتخاذ موقف وسطي مع استجواب وزير الداخلية مثل التصويت ضد مناقشته في جلسة سرية، وتقديم ورقة طرح الثقة على ألا يصل عدد المؤدين إلى الأغلبية الكفيلة باستقالته، مقابل التضحية بوزيرة الأشغال باعتبارها الحلقة الأضعف حتى لو أبدعت في مرافعتها من الناحية الفنية، مقابل الطرح الضعيف لزميلها وزير الداخلية، فالمهم هو الخروج بتسجيل نجاح ولو كان مضحكاً وسخيفاً.الوزيرة جنان بوشهري، رغم موقفها الشجاع، فإنها تتحمل قدراً مهماً من المسؤولية، فقد اتسم ردها الأخير والوداعي من المنصة بالواقعية السياسية، وحمل المضمون الحقيقي لسبب إعدامها السياسي، ولكن هذا الرد جاء متأخراً جداً، وكان من الأجدر بها أن تفضح الشركات وفسادها وصفقات النواب وابتزازهم في مؤتمر صحافي تفصيلي مع بيان الأدلة في استقالة مسببة وتبيع الحكومة قبل أن تبيعها هي، كما نتمنى أن ترفض أي عروض لتطييب الخاطر التي تلجأ إليها الحكومة بعد التضحية بوزرائها حفاظاً على مصداقية ما طرحته في الجلسة، وعبرة للقادمين من مسؤولين ووزراء في المستقبل.والرسالة الأخيرة للأقلية الباقية من النواب المخلصين هي ضرورة وقف الاستجوابات الوزراية فوراً، والتركيز على استجواب رئيس الوزراء فقط، وذلك لتفويت الفرصة على المتسلقين لخلق بطولات الوقت الضائع والتضحية بوزراء آخرين لا يمثلون سوى موظفين كبار، والأهم من ذلك وضع المجلس ككل على المحك وخصوصا بعد ما سمعناه من آراء أجمعت على فساد النهج الحكومي، والإقرار بأن الحكومة هي سبب كل البلاء، وهي من تضحي حتى بوزرائها في صفقات سياسية بالتحالف المصلحي مع نواب في مجلس الأمة، وحتى لا تتكرر زفة عروس مغصوبة أخرى وتعود مرافقات الجدل السياسي تحت عنوان "أبوي ما يقدر إلا على أمي"!