السيستاني: احتجاجات العراق ستشكل انعطافة في أوضاع البلاد
صعدت المرجعية الدينية الشيعية العليا في العراق من نبرتها الجمعة، مؤكدة دعمها للاحتجاجات التي تشهدها البلاد، ومشددة على أنها ستشكل انعطافة كبيرة في الوضع العام، بعد أكثر من شهر ونصف على انطلاق تظاهرات في بغداد ومدن جنوبية عدة مطالبة بـ"إسقاط النظام".كانت خطبة الجمعة اليوم الأكثر وضوحاً للمرجعية منذ انطلاق موجة الاحتجاجات التي بدأت مطلبية في الأول من أكتوبر الماضي.وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله السيد أحمد الصافي في كربلاء "إذا كان من بيدهم السلطة يظنون أنّ بإمكانهم التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون".
وأضاف "لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا إلى ذلك".هذه المرة الأولى تقول فيها المرجعية إنها تدعم الاحتجاجات وليس مطالبها فقط، في ما يعد انعطافة كاملة في الخطاب لصالح الشارع.وأكد السيستاني، الذي لا يظهر إلى العلن، أن "المواطنين لم يخرجوا إلى المظاهرات المطالبة بالإصلاح بهذه الصورة غير المسبوقة ولم يستمروا عليها طوال هذه المدة بكل ما تطلّب ذلك من ثمن فادح وتضحيات جسيمة، إلاّ لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد".واعتبر أن الفساد في البلاد يتفاقم "بتوافق القوى الحاكمة على جعل الوطن مغانم يتقاسمونها فيما بينهم وتغاضي بعضهم عن فساد البعض الآخر".ويعد هذا انتقاداً صريحاً للسلطة الحاكمة، التي ضمنت الأسبوع الماضي اتفاقاً برعاية إيرانية، يبقيها في السلطة، مع إنهاء الاحتجاجات بكل الوسائل المتاحة.لكن الاحتجاجات تواصلت في بغداد ومدن الجنوب الجمعة، وطالب المتظاهرون بالمزيد. وواجهتهم القوات الأمنية بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، بحسب مراسلي وكالة فرانس برس.وأفادت مصادر طبية بمقتل متظاهر ليل الخميس الجمعة، بعد مقتل أربعة آخرين في اليوم السابق.ومنذ الأول من أكتوبر الماضي، قتل في الاحتجاجات أكثر من 330 شخصاً في العراق، غالبيتهم من المتظاهرين، بحسب مصادر طبية وأمنية.لكن يبدو أن موازين القوى قبل خطبة اليوم، لن تكون كما بعدها. واعتبر المحلل السياسي في معهد كارنيغي حارث حسن أن السيستاني "كان دائم الحرص على عدم استنفاد رصيده بالسياسات الضيقة، وحفظ كلماته للمواقف الأكثر خطورة".وأضاف أن "كلماته الأخيرة عن الاحتجاجات كشفت مدى جدية إدراكه للوضع الحالي في العراق. ومن خلال انحيازه بشكل أوضح للمحتجين، قام السيستاني بأكثر تحركاته جرأة حتى الآن، والتي قد تحدد نتيجة ميزان القوى داخل البيت الشيعي والسياسة العراقية لسنوات مقبلة".وجددت المرجعية العليا تأكيدها الجمعة على أن "معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي".ويوجه جزء كبير من الشارع العراقي أصابع الاتهام إلى إيران، على أنها العمود الفقري للنظام القائم، خصوصاً مع الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى البلاد.ويبدو أن المساعي الإيرانية، كانت أبعد من المسؤولين السياسيين في البلاد.وقال مصدر سياسي رفيع مقرب من دوائر المرجعية لوكالة فرانس برس إن طهران حاولت في الآونة الأخيرة إيصال رسائل إلى المرجعية تطلب منها دعم الحكومة الحالية في خطبتها ودعوة المتظاهرين للانسحاب من الشارع، وإعطاء فرصة للقيام بإصلاحات خلال مهلة زمنية محددة.وأوضح المصدر أن المرجعية "رفضت الاستجابة لتلك الرسائل أو حتى تلقيها. ولذلك لم توافق أيضاً على استقبال (رجل الدين الشيعي مقتدى) الصدر بعد عودته مباشرة من طهران، كي لا يظنّ الشارع أنه يحمل رسالة من طهران".وأشار المصدر نفسه إلى أن "سليماني نفسه، سمع كلاماً قاسياً من المرجعية حيال الدور الإيراني في الأزمة العراقية"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.ولذلك، بدا أن الشارع بدأ يستعيد زخمه، خصوصاً بعدما وجدت السلطات نفسها محرجة في قمع التظاهرات، بعدما نفت المرجعية أن تكون طرفاً في أي اتفاق لتجفيف الشارع، وباتت الآن تحت ضغط الشارع والحراكات السياسية والدبلوماسية.وكان آية الله العظمى قد التقى مطلع الأسبوع الحالي رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، التي طرحت عليه خارطة طريق حظيت بموافقته، مقسمة على مراحل، تدعو إلى وضع حد فوري للعنف، والقيام بإصلاحات ذات طابع انتخابي، واتخاذ تدابير لمكافحة الفساد في غضون أسبوعين، تتبعها تعديلات دستورية وتشريعات بنيوية في غضون ثلاثة أشهر.وفي هذا السياق، اعتبرت المرجعية في خطبتها الجمعة أن "إرادة الشعب تتمثل في نتيجة الاقتراع السري العام إذا أُجري بصورة عادلة ونزيهة"، داعية إلى "الإسراع في إقرار قانون منصف للانتخابات يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية".واضافت أن "إقرار قانون لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولاً ولا جدوى منه".