أجر المعيشة لأجل الرأسمالية
عند معدل 3.6%، تظل البطالة في الولايات المتحدة، قريبة من أدنى مستوى بلغته منذ أواخر ستينيات القرن العشرين، بل إن هناك من العلامات ما يشير إلى أن الأشخاص الذين انسحبوا سابقا من قوة العمل ينجذبون الآن إليها مرة أخرى مع بحث أصحاب العمل الحثيث في سوق العمل عن الموظف الهامشي المؤقت، وبما يتماشى مع هذه الأخبار، أشار رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي جاي باول إلى أن مكاسب الأجور بدأت تتراكم أخيرا في أيدي العمال من ذوي الأجور المنخفضة.في إشارة أخرى إلى العمال من ذوي الأجور المنخفضة، أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يقضي بزيادة الحد الأدنى للأجور الفدرالية من 7.25 دولارات في الساعة إلى 15 دولارا في الساعة، لكن احتمال تمرير التشريع عبر مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون يكاد يكون معدوما. علاوة على ذلك، تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن الحد الأدنى للأجور بمبلغ 15 دولارا في الساعة من شأنه أن يؤدي إلى خسارة 1.3 مليون وظيفة بين العمال من ذوي الأجور الأدنى.وقد استمعنا إلى اعتراضات مماثلة في المملكة المتحدة في ربيع عام 2016، عندما قدمت حكومة رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون سياسة أجر المعيشة الوطنية، ومع ذلك، على مدار ثلاث سنوات، لم نر أي إشارة إلى تراجع مكاسب التوظيف، وفي الأشهر الأخيرة، بدأ نمو الأجور يرتفع بعد عشر سنوات من الركود، حيث تتنبأ مؤسسةResolution Foundation البحثية الآن بأن يتجاوز متوسط المكاسب الأسبوعية في المملكة المتحدة الذروة التي بلغها في أغسطس بنحو 513 جنيها إسترلينيا (660 دولارا).
ورغم أن هذا الموضوع لم يظهر بوضوح بعد في المناظرة الانتخابية في المملكة المتحدة، فإن كلا من حزب العمال وحزب المحافظين يلاحق برامج تعلن المزيد من تعزيز الحد الأدنى للأجور. في أواخر سبتمبر أعلن وزير الخزانة ساجد جاويد أن الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ 8.21 جنيهات إسترلينية للساعة الواحدة للعمال الذين تزيد أعمارهم على 25 عاما سيجري تمديده لكي يشمل العمال الذين تزيد أعمارهم على 21 عاما. كما وعد أن الحد الأدنى للأجور سيرتفع بحلول عام 2024 إلى ثلثي الدخل المتوسط، وحتى لا ينهزم، تعهد حزب العمال برفع الحد الأدنى للأجور إلى 10 جنيهات إسترلينية في الساعة في حال انتخابه.كما كان متوقعا، تسببت هذه التصريحات من جانب الحزبين في إثارة الدهشة في دوائر الأعمال، وأدت إلى تحذيرات حول فقدان الوظائف في المستقبل، ومع ذلك، أجد نفسي أفكر في أن حدا أدنى أعلى للأجور ربما يحقق فوائد تتجاوز ما تعبر عنه الحسابات الاقتصادية التقليدية. ونظرا لأزمة المصداقية المتنامية التي تعيشها الرأسمالية، فإن قادة الأعمال يحسنون صنعا بالنظر في تبني مثل هذه السياسات بقدر أكبر من الحماس.كما أشرت من قبل، فعلى الرغم من ارتفاع أرقام التوظيف بقوة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما من الاقتصادات الغربية خلال العقد الماضي، فإن الإنفاق على الاستثمار في الأعمال ظل ضعيفا على نحو عنيد، وكانت هذه أيضا حال الإنتاجية ونمو الأجور، وقد تزامنت هذه الاتجاهات مع فترة من الأرباح الشركاتية والظروف الاقتصادية القوية، والذي ينبغي أن يكون مؤاتيا للاستثمار من الناحية النظرية. في الواقع، قد تبدو أسعار الفائدة المنخفضة، والأرباح القوية، وخفض الضرائب على الشركات، الوصفة المثالية لزيادة الإنفاق الاستثماري بشكل كبير، ولكن بدلا من ذلك، شهدنا زيادة حادة في فجوة التفاوت الفعلية والمتصورة نظريا، فضلا عن ردود فعل شعبية عنيفة ضد كل من الرأسمالية والديمقراطية في مختلف البلدان الغربية. ولم تستجب الشركات لمحفزات الاستثمار كما في الكتب الأكاديمية، إما لأنها لا ترى الأساس المنطقي البعيد الأمد لهذه المحفزات، أو لأنها تعمل في صناعات أقل كثافة في استخدام رأس المال ولا تتصور ببساطة أنها في احتياج إلى المزيد من المباني والمعدات. المشكلة، بطبيعة الحال، هي أنه في غياب الاستثمار، من غير المرجح أن تزيد الإنتاجية، وفي غياب نمو الإنتاجية، لا يوجد سبب يُذكَر يجعلنا نتوقع نمو الأجور المستدام.أيا كانت أسباب تأخر الاستثمار، فمن الواضح أن السياسة العامة تستطيع أن تؤدي دورا مهما هنا، فإذا كان ما نشهده الآن هو فشل السوق، فمن المعقول والمناسب أن تتدخل الدولة لتوفير الإنفاق الاستثماري اللازم، وهو ما يشير كل من معسكر المحافظين ومعسكر العمال إلى أنه يعتزم القيام به إذا فاز في انتخابات المملكة المتحدة.لكن صناع السياسات من الممكن أيضا أن يغيروا حسابات المخاطر في مقابل المكافأة في مجال الأعمال، وتتلخص إحدى الطرق للقيام بهذا في زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل كبير. ومن الممكن أن تساعد الأجور الاسمية الأعلى للعمال من ذوي الأجور المنخفضة في دفع الدخول الحقيقية إلى الارتفاع، وزيادة الإنفاق الاستهلاكي، وجعل أسعار المساكن أكثر تيسرا. وبقدر ما يؤدي رفع الحد الأدنى إلى زيادة فاتورة أجور الشركات، فإنه كفيل بخلق حافز أقوى للاستعاضة عن العمالة برأس المال، وقد يؤدي هذا إلى انخفاض الناتج وارتفاع الأسعار لكنه من الممكن أيضا أن يرسي الأساس لتجدد نمو الإنتاجية.في كل الأحوال، في الرد على أولئك الذين يحتجون بأن الشركات لا تستطيع تحمل مثل هذا التغيير القائم على السياسة، أود أن أشير إلى أن الطلب الكلي منذ عام 2015 ظل قويا بالقدر الكافي لتمكين الشركات من استيعاب الزيادات في الأجور بسهولة، وإذا كان لهذه السياسة أن تجعل الشركات تدرك أن لديها غاية اجتماعية أعظم من مجرد زيادة أرباح الربع القادم، فإن هذا يكون أفضل كثيرا.*الرئيس الأسبق لشركة غولدمان ساكس لإدارة الأصول، ووزير الخزانة في المملكة المتحدة سابقا، وهو يتولى رئاسة مجلس إدارة تشاثام هاوس.«جيم أونيل»