حسم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في النظام الإسلامي، الجدل حول قرار حكومة الرئيس حسن روحاني بزيادة أسعار الوقود وتقنين دعمه، معلناً مباركته للقرار الذي اتخذه المجلس الاقتصادي الاعلى، الذي يشارك فيه رؤساء السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية.

وقال خامنئي، في كلمة أمس: "لست خبيراً في هذا المجال، لكني كنت قد أعلنت سابقا أنني أدعم القرارات التي يتخذها الاجتماع المشترك لرؤساء السلطات الثلاث" في إشارة إلى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

Ad

وأضاف: "رؤساء السلطات الثلاث اتخذوا قراراً مبنياً على رؤية مدروسة، وبالطبع يجب تطبيقه... ولا شك في أن بعض شرائح الشعب ستمتعض وتتضرر ويساورها القلق من قرار رفع أسعار الوقود، لكن من يقومون بأعمال التخريب وإحراق الممتلكات من الأشرار وليسوا من أبناء الشعب".

وتابع: "لطالما دعم أعداء الثورة وإيران أعمال التخريب والشغب (في إيران)، وها هم يفعلون ذلك الآن أيضاً"، داعيا المواطنين

إلى "الابتعاد عن المخربين".

وأشار خامنئي الى أن بعض الجهات المعارضة للنظام الحالي في إيران "تهلل" منذ يومين، في إشارة إلى عائلة بهلوي التي طردتها الثورة الإسلامية من السلطة عام 1979، وكذلك حركة "مجاهدي خلق" المعارضة في المنفى، التي تعتبرها إيران منظمة "إرهابية". وتابع: "ما أطلبه هو ألا يساعد أحد هؤلاء المجرمين"، داعياً المواطنين إلى "النأي بأنفسهم عن مثيري البلبلة".

البرلمان ينتقد ثم يتراجع

وقبل كلمة خامنئي، وجه نواب بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، أمس، انتقادات لرئيس المجلس علي لاريجاني بسبب قرار رفع أسعار الوقود، واحتجوا على عدم أخذ آراء النواب بعين الاعتبار بهذا الخصوص.

ونقلت عن النائب غلام رضا كاتب، موجهاً خطابه للاريجاني، القول: "نتوقع أن تؤخذ وجهات نظرنا بعين الاعتبار في الاجتماعات، التي تشاركون فيها نيابة عن مجلس الشورى".

بينما قال النائب أحد ازاديخواه: "وفقاً للمخطط السادس للتنمية، فإن موضوع ارتفاع أسعار الوقود يحتاج إلى تأكيد نواب مجلس الشورى الإسلامي، لكن لم يطلع النواب على هذا الموضوع، ونحن نعارض هذا المسار".

وطالب النائب جواد حسيني بتحميل رئيس الجمهورية حسن روحاني المسؤولية عن أعمال الشغب التي شهدتها البلاد. ورد لاريجاني على الانتقادات الحادة بالدعوة للهدوء "من أجل اتخاذ قرارات صائبة".

ونقل الإعلام المحلي عن لاريجاني تعليقه على أزمة ارتفاع أسعار البنزين، قائلا إن "مخاوف الشعب حيال ارتفاع أسعار البنزين ناجمة عن تبعات القرار على أسعار باقي السلع". وأضاف أن "أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني حضر جلسة المجلس المغلقة اليوم (أمس)، وقدم تقريرا وتم تبادل الآراء".

وبعد كلمة المرشد، أعلن المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، أسد الله عباسي، أنه بناء على تصريحات خامنئي حول ضرورة المضي قدماً بتطبيق قرار رفع أسعار البنزين، فقد تم سحب مشروع قرار يقضي بإلغاء رفع الأسعار.

كما أعلن عباسي، عقب انتهاء جلسة البرلمان التي عقدت لمناقشة قرار روحاني، أن المجلس الأعلى للأمن القومي اقر بدوره القرار، الأمر الذي يعطيه شرعية إضافية.

وقال أحد النواب لـ "الجريدة" إن مكتب المرشد قام بالاتصال بجميع النواب المعارضين لقرار الحكومة لإقناعهم بالتراجع، وأشار الى أن الأمر وصل بتهديد النواب الذين أصروا على طرح المشروع بأشكال مختلفة.

شمخاني

ونقل المسؤول في مجلس الشورى أحمد أمير آبادي عن الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى علي شمخاني قوله، خلال الجلسة البرلمانية، إنه "كان بحوزة بعض المتظاهرين أسلحة نارية"، مضيفاً أنه "خلال اليومين الماضيين قامت هذه المجموعات بالاعتداء على المصارف والممتلكات العامة والخاصة"، ومتهماً "مجموعات منظمة تابعة لمجاهدي خلق وأعداء الثورة بمهاجمة قوات الأمن".

وقال مصدر، لـ الجريدة، إن شمخاني أكد للنواب ان قرار الحكومة سوف يوفر عليها 6 مليارات دولار، يمكنها ان تصرف منها نحو المليارين توزعها على الناس، وأربعة مليارات توفرها لمصاريف أخرى. وأضاف أن الحكومة درست جميع جوانب الموضوع، ومنه الظروف الحساسة التي تشهدها المنطقة والبلاد، وأن الناس سوف يثيرون غضبا، ولكن لم يكن في يدها أي حيلة وكان عليها ان تقرر بين انهيار وإفلاس البلاد أو اتخاذ هذا القرار.

وزارة الأمن

من ناحيتها، أصدرت وزارة الأمن بياناً أكدت فيه أنه "سيتم التعامل بحزم مع كل العناصر المخلة بالأمن والاستقرار"، مضيفة أنه "تم الكشف عن مسببي الشغب الرئيسيين ويتم الآن اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل معهم".

وشدد البيان على أن "أعداء إيران يعلقون آمالاً على هذه الاضطرابات، ولكنها ستحبط كما في الماضي"، متعهداً بـ "توفير الأمن والاستقرار للشعب، ولن نوفر أي جهد لتحقيق ذلك".

تظاهرات

وأفادت وسائل إعلام ايرانية محلية بأن الاحتجاجات تنمددت الى أكثر من 100 منطقة. وشهدت عدة مدن احتجاجات وتظاهرات شارك فيها طلاب الجامعات.

ووسط أنباء عن بدء إضراب عام واحتجاجات في بازار طهران الكبير، قُتل شرطي أمس بعدما أُطلقت النار عليه خلال مواجهات مع "مثيرين للشغب وعصابات" في غرب إيران.

وقُتل إيراج جواهري عقب مواجهة مع مسلحين، خلال الاضطرابات التي شهدتها مدينة كرمانشاه أمس الأول، وفق ما أفاد رئيس شرطة المنطقة علي أكبر جاويدان في تصريحات نقلتها عنه الوكالة.

وتحولت بعض مناطق وسط مدينة طهران (البازار)، التي كانت حتى الأمس تعج بالناس، إلى مناطق أشباح، حيث انتشرت شرطة مكافحة الشغب بكثرة ومنعت المارة من التجمهر، واستخدمت الشرطة الرصاص الحي وقنابل الفلفل والقنابل المسيلة للدموع في مناطق عديدة من العاصمة طهران لتفريق التظاهرات.

وقام المتظاهرون برمي سلات القمامة في وسط الشوارع وإحراقها لسد الطرق، وقام بعض سائقي الشاحنات بحمل التراب، وحتى الأسمنت، ورميه وسط الأتوسترادات في مدينة طهران وبعض المدن الكبرى والطرق التي تصل بعضها ببعض لقطع الطرق بشكل كامل.

وقامت وزارة التربية بإقفال المدارس جميعا، واستمر بازار طهران بالإقفال لليوم التالي على التوالي، وانضم تجار بازار مدن مشهد وأصفهان وتبريز وشيراز والاهواز لتجار مدينة طهران في اعلان الاضراب، وأضربت شركات النقل عن حمل الناس والبضائع، في مجمل مناطق البلاد.

وتحولت الاحتجاجات في عدد من مناطق البلاد الى تصادمات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة، حيث ان المحتجون قاموا بمهاجمة الشرطة وإحراق المصارف ومحطات الوقود، ومما يذكر ان المحتجين في عدد من مناطق طهران كانوا منظمين ومحضرين أنفسهم هذه المرة لمواجهة قوات الأمن، على عكس الدفعات السابقة، حيث انهم كانوا يهاجمون قوات الامن بخطط مختلفة ويقومون بخلع سلاحهم وإبراحهم ضربا او حتى مهاجمتهم بالحجارة والعصي.

وأكد مصدر في مركز الطوارئ والهلال الاحمر ان اربعة عشر شخصا قتلوا وأكثر من ألفي شخص جرحوا من المتظاهرين وقوات الامن، خلال اليومين الاخيرين، وأنه تم منعهم من إعطاء اي تصريح وتم منع مراكز الطوارئ والهلال الاحمر في انحاء البلاد إعلام المركز عن حصاد القتلى والجرحى.

اعتقالات

الى ذلك، افادت وكالة "فارس" الإيرانية المقربة من "الحرس الثوري" عن "حملة اعتقالات شملت أكثر من الف شخص في عدد من المدن، أهمها مشهد، وساري، ويزد، جراء الاحتجاجات"، في حين أعلن النائب العام في مدينة يزد عن اعتقال 40 شخصا إثر الاحتجاجات، مشيرا إلى أن أغلبيتهم من خارج المدينة.

الإنترنت

إلى ذلك، أعلنت وزارة الاتصالات الإيرانية، أنها تسلمت قرارا من مجلس الأمن القومي، مساء أمس الأول، يفيد بقطع شبكة الإنترنت لمدة 24 ساعة في كافة أنحاء البلاد.

وحسب وكالة "إيسنا" الإيرانية، قال مسؤول في وزارة الاتصالات: إن "الوزارة لا تزال تجري اتصالات مع مجلس الأمن القومي لإعادة خدمة الإنترنت في أسرع وقت". وأضاف المسؤول أن "قطع الإنترنت جاء لأسباب أمنية لا فنية، ومن غير المعروف متى سيتم إعادة وصله".

واشنطن

وأعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في أول تعليق منه على موجة الاحتجاجات الجديدة التي تعم إيران، أن الولايات المتحدة تقف مع الشعب الإيراني. وأعاد بومبيو، مساء أمس الأول، نشر تغريدة مؤرخة بيوم 22 يوليو 2018، تحدث فيها عن الاضطرابات التي شهدتها إيران في ذلك الحين، وقال في تعليقه الجديد الذي أرفق به بيانه: "كما أكدت للشعب الإيراني منذ نحو عام ونصف، الولايات المتحدة معك".

وجاء في البيان، الذي نشره بومبيو سابقاً: "بعد 40 عاما من الظلم، لا يقف الشعب الإيراني الفخور صامتا تجاه الانتهاكات التي ترتكبها حكومته. ونحن أيضا لن نقف صامتين. لدي رسالة للشعب الإيراني: الولايات المتحدة تسمعك، والولايات المتحدة تدعمك، الولايات المتحدة معك".

من ناحيتها، أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس، عن دعم واشنطن للاحتجاجات في إيران، واصفة حكومة طهران بـ"الفاسدة".

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية عبر "تويتر": "تقف الولايات المتحدة إلى جانب الشعب الإيراني، الذي طالت معاناته وهو يحتج على الظلم الأخير للنظام الفاسد في السلطة"، مستنكرة "محاولة إغلاق شبكة الإنترنت". وخاطبت الجهات المعنية المسؤولة عن قطع الانترنت بالقول: "دعهم يتكلمون!".

وأفاد مسؤول كبير في البيت الأبيض بأن بلاده لا تريد تغيير النظام في إيران، لكنها تدعم حراك الشعب، وأضاف أن خيارات طهران اليوم هي الأصعب منذ عام 1979.