أكدت المحكمة الإدارية، في حكمها، أن قرار «الداخلية» منع السفر وقيد حرية المواطن من التنقل مخالف لأحكام الدستور والقوانين واللوائح، ويتعين إلغاؤه.وقالت المحكمة إن المقرر أن النص في المادة 31 من الدستور على أنه «لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق احكام القانون».
وفي المادة 17 من القانون رقم 11 لسنة 1962 بشأن جوازات السفر على أن «تصرف جوازات السفر لمن يتمتعون بالجنسية الكويتية، وفقا لأحكام قانون الجنسية المعمول به وقت اصدار الجواز».وفي المادة 19 على أنه «يجوز لأسباب خاصة - بقرار من وزير الداخلية - رفض منح جواز السفر أو تجديده، كما يجوز سحب الجواز بعد إعطائه» يدل على أن حرية الشخص في التنقل داخل البلاد وخارجها هي من الحريات الاساسية التي أوردها الدستور ضمن الحقوق العامة المنصوص عليها في الباب الثالث، وحظر تقييدها إلا وفق أحكام القانون بما مؤداه اجازة وضع ضوابط وقيود على تلك الحرية لدواعي المصلحة العامة وأمن المجتمع وسلامته، لكن دون ان تلامس هذه القيود حد الدوام زمانا ومكانا، وإلا اصبحت إفراغا للحرية من مضمونها.
إفصاح عن المبررات
وبينت المحكمة أنه وإذ كان من مقتضى حرية التنقل تمكين الشخص من استخراج جواز السفر، فقد جعل المشرع منح الجواز لصيقا بالجنسية الكويتية، فلا يجوز لجهة الإدارة حرمانه منه بغير مسوغ جدّي يقتضيه الصالح العام، ويبرر المساس بحقه الدستوري في التنقل والسفر للخارج، والذي لا يتحقق إلا بإعطائه جواز سفر يمكنه من ممارسة الحق، فإذا ما ارتأت الجهة الادارية توافر المسوغ لسحب الجواز ثم إمساكه زمنا رفضا لتجديده، كان عليها الإفصاح عن مبررات ودواعي قيامها بذلك، إذ تخضع - وهي تمارس هذه الرخصة في تقييد حرية الأشخاص - لرقابة القضاء الإداري رقابة يبسطها على مشروعية القرار الصادر في هذا الشأن تمحيصا لأسبابه لاستبيان قيامه على وقائع تنتجه ماديا وقانونيا ومدى تناسبها مع محله، وللقضاء في حدود رقابته للقرار أن يقدّر تلك العناصر التقدير الصحيح».وذكرت أنه تواترت أحكام محكمة التمييز على أن مجرد القبض على المواطن الكويتي في دولة أجنبية بتهمة تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرة عقليا، لا يحمل بذاته معنى الإساءة الى سمعة دولة الكويت، ولا يجيز لجهة الإدارة المساس بحقه الدستوري في السفر الى الخارج بسحب جواز سفره أو منعه من السفر.وأوضحت أن المدعي كويتي الجنسية، وأن القرار المطعون فيه تضمن منعه من السفر، وبالاستفسار من موظفي وزارة الداخلية عن السبب أبلغوه بأنه أدين بتهمة تعاطي المواد المخدرة بإحدى الدول الخليجية، وبالتالي يتعين منعه من السفر مدة ثلاث سنوات، وإذ كان محامي الحكومة لم ينكر هذا السبب الذي ترى المحكمة أنه لا يحمل بذاته معنى الإساءة الى سمعة دولة الكويت، خصوصا أن المدعي لم يحكم عليه بالحبس وإنما الغرامة، مما يشير الى تفاهة الجريمة.اختلاف بين الأمرين
وأضافت المحكمة أن المدعي بادر الى تنفيذ الحكم بسداد الغرامة، مسدلا الستار على ما وقع منع من زلل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن المادة 19 من القانون رقم 11 لسنة 1962 بشأن جوازات السفر سالفة الإشارة اليها، ولئن أجازت لوزير الداخلية سحب جواز السفر، إلا انها لم تجز له المنع من السفر.وغني عن البيان أن ثمة اختلافا بين الأمرين يجد صداه بعد السماح بالتنقل بين دول مجلس التعاون الخليجي بالبطاقة المدنية، وبالتالي فإنه لا يجوز إصدار أي قرار اداري بمنع اي مواطن من السفر قبل أن يتدخل المشرع بتعديل القانون، إذ إن النصوص التي تقرر قيودا على الحريات الشخصية يجب تفسيرها تفسيرا ضيقا، فلا تسري إلا على الحالات التي تضمنتها بالذات وما خرج عنها يُرجع فيه الى القاعدة العامة.ولفتت الى أن حالة المنع من السفر أصبحت اليوم أعم وأوسع نطاقا من حالة سحب جواز السفر، وهو ما لم يرد في ذهن المشرع عند صدور القانون قبل ما يزيد على خمسة عقود من الزمن، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه مخالفا للدستور والقوانين واللوائح، وغير قائم على سببه الصحيح الذي يبرره، وتقضي المحكمة بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار.