تسريبات تُظهِر كيف بنت إيران نفوذها في العراق
• وثائق استخبارية إيرانية تشير إلى دور سليماني واختراق طهران الطبقة السياسية العراقية
• قمة بين «الإخوان» و«فيلق القدس» في 2014 ناقشت احتمالات التعاون في اليمن
كشفت مئات التقارير الاستخباراتية الإيرانية المسرّبة عن عمق نفوذ طهران في العراق، حيث تتواصل احتجاجات مناهضة للحكومة منذ أسابيع، وتتهم إيران بمواصلة التدخل في شؤون البلاد. ويعبر متظاهرون خرجوا في بغداد ومدن جنوبية ذات أغلبية شيعية، حيث أغلقت الدوائر الحكومية والمدارس في إطار إضراب موجه ضد الطبقة الحاكمة، عن غضبهم ضد التدخلات الإيرانية، مطالبين بـ «إسقاط النظام».
كشفت مئات التقارير الاستخباراتية الإيرانية المسرّبة عن عمق نفوذ طهران في العراق، الذي يشهد احتجاجات منذ أسابيع عدة، بحسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز وموقع ذي إنترسبت، أمس. وقالت الصحيفة والموقع الأميركيان إنهما تحققا مما يقارب 700 صفحة من تقارير كتبت في عامي 2014 و2015 من وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، وأرسلت إلى "ذي إنترسبت" من قبل شخص رفض الكشف عن نفسه.وقال المصدر المجهول، الذي رفض اللقاء بالصحافي شخصياً، إنه يريد "أن يرى العالم ما تفعله إيران في بلدي العراق".
وتقدم الوثائق "صورة مفصلة عن مدى القوة التي عملت فيها طهران لترسيخ نفسها في الشؤون العراقية، خصوصا بعد الانسحاب الأميركي في 2011، والذي تبعه الهجوم الكبير لتنظيم "داعش" في 2014، والذي تمكن خلاله من السيطرة على مساحات واسحة من العراق، وكاد يهدد بغداد بسبب انهيار الجيش العراقي. وتركز الوثائق على الدور الفريد للجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" الذراع الخارجية لـ "الحرس الثوري"، وتؤكد أن سليماني هو من يشرف على وضع سياسات إيران في العراق ولبنان وسورية وهي الدول التي تعد الأكثر حساسية لطهران، وتعيين السفراء بهذه الدول عادة لا يكون من السلك الدبلوماسي، إنما من الرتب العليا في الحرس.وأشارت الوثائق إلى أن إيران ركزت على تعيين مسؤولين رفيعي المستوى في العراق، وأن وزير الداخلية العراقي السابق، بيان جبر، من أبرز المسؤولين المقربين من إيران.وفي أحد التسريبات الإيرانية، يوصف رئيس الحكومة الحالي عادل عبدالمهدي بأنه كانت له "علاقة خاصة" بطهران حين كان وزيراً للنفط في العراق عام 2014.وأشارت الوثائق الى أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي عاش في منفاه في إيران في الثمانينيات كان أكثر تفضيلا عند طهران من بديله حيدر العبادي، الذي تلقى تعليمه في بريطانيا، وبالرغم من التحفظات على العبادي إلا أنهم وجدوا أن كثيراً من الوزراء موالين له بشكل كبير.كما كشفت الوثائق عن استعداد العبادي للتعاون مع استخبارات إيران. وتحدثت الوثائق عن نصب اجهزة تنصت في مكتبه.الوثائق أشارت إلى أن لقاءات المسؤولين الأميركيين والعراقيين كانت تُنقل إلى طهران، وأن أبرز مستشاري رئيس برلمان العراق السابق، سليم الجبوري، كان إيرانياً. ويظهر أحد التقارير الاستخبارية الايرانية أن نجرفان برزاني (رئيس اقليم كردستان الحالي) التقى مسؤولين اميركيين وبريطانيين كبارا وحيدر العبادي في بغداد في 2014 وذهب مباشرة وأبلغ الايرانيين بكل شيء.وفي أواخر 2014 أدرجت برقية إبراهيم الجعفري الذي كان رئيسا للوزراء ووزيرا للخارجية على أنه يتمتع بـ "علاقة خاصة" مع إيران.وخلص تقرير الصحيفة إلى أن تفاصيل الحوارات العراقية الاميركية خلف الأبواب المغلقة كانت تصل على نحو روتيني الى ايران.وتتحدث وثيقة عن دور سليماني اجتماعات في بغداد والنجف خلال الأسابيع الأخيرة، لإقناع الأحزاب السياسية برص الصفوف حول رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي بمواجهة الاحتجاجات. ووفق الوثائق فإن سليماني طلب من وزير المواصلات العراقي السابق باقر جبر الزبيدي، خلال لقاء بينهما في بغداد، الموافقة على فتح الاجواء العراقية امام الطائرات الايرانية لنقل الاسلحة لسورية، فوافق الاخير بالقول "من عيني"، الامر الذي دفع بسليماني الى تقبيله بجبينه. ولاحقا تعرض الوزير لضغوط أميركية لوقف هذا الأمر لكنه رفض. وتشير وثيقة إلى أن ضابطاً في الاستخبارات العسكرية العراقية سافر من بغداد إلى مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، للقاء مسؤول في المخابرات الإيرانية. وخلال الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات، قال المسؤول العراقي إن رئيسه، الفريق حاتم المكصوصي، أخبره أن ينقل رسالة إلى إيران مفادها أن "استخبارات الجيش العراقي، اعتبرها تحت أمرك" مضيفاً: "نحن شيعة والعدو واحد".وعرض المكصوصي تزويد إيران بمعلومات حول نظام سري أنشأته الولايات المتحدة للتنصت على الهواتف العراقية، يديرها مكتب رئيس الوزراء والاستخبارات العسكرية، وفق التقرير نفسه.
عملاء CIA
ووفقاً لما ورد في الوثائق، فقد تمكنت طهران من حصد المزيد من المكاسب والنفوذ بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في عام 2011، والتي قالت إنها تركت المخبرين العراقيين لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "عاطلين ومعدمين". وقال التقرير إن هؤلاء لجأوا بعد ذلك إلى إيران، وقدموا معلومات عن عمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA ) في العراق، مقابل أموال.وتلفت الوثائق الى أن الوجود الإيراني لم يغب عن مطار بغداد، وأن جواسيس إيران بمطار بغداد راقبوا الجنود الأميركيين ورحلات التحالف الدولي لمحاربة "داعش".وأشارت الوثائق الى أن إيران تحرص على إرسال طلابها إلى الحوزات الدينية بالعراق، كما تحرص على بناء الفنادق في كربلاء والنجف. وبينت الوثائق أن اللقاءات الإيرانية العراقية كانت تقام في الأزقة المظلمة ومراكز التسوق وحفلات الميلاد للتمويه.وتظهر الوثائق قيام ضباط الاستخبارات الإيرانية في العراق بتصوير ورصد الجنود الأميركيين وقوات التحالف المشاركين في دعم الحرب ضد داعش داخل العراق.إلى ذلك، ركز موقع "انترسبت" على وثائق تتحدث عن "قمة سرية" عقدت في 2014، بعد شهور من عزل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، في أحد فنادق تركيا بين مسؤولين في "فيلق القدس" مع أعضاء من جماعة "الإخوان المسلمين" المصرية. وحسب الوثائق فإن "القمة السرية" التي عقدت في أبريل 2014 جاءت في لحظة حرجة للطرفين، حيث كان "داعش" يتمدد في العراق مهددا ايران، بينما كانت جماعة "الإخوان" تعاني بعد إزاحتها من السلطة بمصر.وتقول المعلومات المسربة أن وفد "الإخوان" شدد على أن هناك بالفعل خلافات بين إيران كرمز وممثل عن الشيعة و"الإخوان" كممثل للعالم السني، لكنه أكد أنه "ينبغي التركيز على أرضية مشتركة للتعاون، وأن العدو المشترك لكل منهما هو كراهيتهما للمملكة العربية السعودية".بحسب الوثيقة، بحث الطرفان إمكانية التعاون ما بين الحوثيين وجماعة "الإخوان" في اليمن لتقليل الصراع بينهما وإدارته ناحية السعودية. في الوقت ذاته، أراد "الاخوان" ووقف خطر الحرب بين الفصائل السنية والشيعية في العراق وإعطاء الفرصة للسنة للمشاركة في الحكومة. وبحسب الموقع، فقد بدا واضحا فشل المحادثات بين الطرفين، ولم يتضح من الأرشيف المسرب ما إذا عقدت اجتماعات أخرى من هذا النوع.