تظاهرات معارض الكتب
يخطئ مَنْ يعتقد أن تظاهرات معارض الكتب سلمية وهادئة، وليس فيها مواجهات كبيرة؛ وكر وفر، وقنابل مسيلة للدموع، أو حتى قناصة من على سطوح دور النشر!نعم، لقد باتت معارض الكتب العربية تظاهرات كبيرة، شأنها شأن أي تظاهرة سياسية، فهناك منظمون وراءها، ولهؤلاء المنظمين أهداف ومآرب وحسابات ظاهرة وباطنة، وهم في تنظيمهم لمعارض كتبهم يحسبون ألف حساب "للإخوة الأعداء" في المعارض الأخرى، وهم في سباق مع أنفسهم ومَنْ حولهم؛ القريب والبعيد، للمجيء بالجديد الباهر. لهذا، فلمعارض الكتب ساحات ومتاريس، ومؤكد توافد آلاف الجماهير، وكذلك النجوم من الناشرين والكُتاب والصحافيين والإعلاميين وبطلات وأبطال السوشيال ميديا. وللجميع، دون استثناء؛ الكبير والصغير، المنظم والجمهور، حساباتهم وأهدافهم ومصالحهم، وهم في سبيل تحقيق هذه المصالح، لا يتوانون أبداً في دخول صداقات مدفوعة الأجر. الأجر الذي يتمثل غالباً في مقولة: "شيّلني وشيّلك"، وفي مقولة: "ما يمدح السوق إلا من ربح فيه". فعالم الإبداع والمبدعين، والفكر والمفكرين، والكتابة والكُتاب، والثقافة والمثقفين، فيه من الطيب الشيء الكثير، وفيه من الخبث والمكر والدسيسة أكثر، وفيه من الحسد أكثر وأكثر، وعبر التاريخ لم يكن من شيء محرك لهذا العالم بقدر العلاقات الخاصة، وفي كل مكان بالعالم. وليس من بأس في ذلك متى ما كان وراء ذلك فكر وإبداع يستحقان ذلك، أما أن تكون مبنية على المصالح الخاصة دون النظر إلى المستوى الفكري والإبداعي، فهذا لا يصح. ويحصل وسيبقى يحصل أن تحضر محاضرة أو أمسية أو ندوة، وتستمع لمن كنتَ تظن أنه في شأن من الفكر والعلم والمعرفة والإبداع، وتخيب كل ظنونك، وتردد بينك وبين نفسك المثل القائل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه".
معارض الكتب العربية، وتحديداً الخليجية منها، تأتي تباعاً ركضاً دون أي فارق زمني بينها، ودون مراعاة لصعوبة انتقال الناشرين ومعهم جمهور القراءة، وصعوبة تبين الجديد من الأجدد، ودون إعطاء فرصة لجمهور المعارض لتأمل المشهد الإبداعي والثقافي بهدوء ورويّة. فقد بات الناقد العربي عملة نادرة، والناقد العربي المتبحر بالنظرية النقدية؛ عالمياً وعربياً، أكثر ندرة، لذا فقد بات التخبط سمة أساسية من سمات الشراء بالنسبة لمتبضع الكتب، وخاصة مع انتشار ترجمات جديدة، بعضها لا أدري كيف يعطي المترجم نفسه حق الترجمة، ولا أعرف أكثر كيف لدار نشر أن تنشر ترجمته التي تفتقد أبسط قواعد الترجمة!الناشرون العرب، ومن خلال علاقة شخصية لي مع مجموعة كبيرة منهم، يكررون شكواهم من أنهم لا يربحون، وأن تجارة الكتب والنشر عمل كاسد، وأنهم بالكاد يسدون تكاليف دورهم، وهم في المقابل يقتتلون على حضور كل المعارض، ويبالغون في أسعار الكتب، بانتقالهم من قُطر إلى آخر. ثم تأتي قضية أن مجموعة كبيرة من الناشرين العرب، ما عاد يتعامل مع الإبداع انطلاقاً من قيمته وأهميته وموهبة صاحبه، بقدر ما صار تجارة واضحة. فأي شابة أو شاب يريد نشر كتاب جديد، سواء كان رواية أو مجموعة قصصية أو شعرية، عليه أن يدفع مبلغاً مالياً مجزياً مقابل ذلك قد يفوق ألفي دولار، مما يضع الكاتب الشاب في ضائقة مالية، وخاصة إذا كان كتابه الأول بسيطا ولا يرقى للنشر أصلاً، وبذا فإنه يكون قد باع بضاعة بائسة على تاجر محتال، سيكون مآلها إلى مخزن مهجور، لحين التخلص منها!معارض الكتب العربية، تظاهرات ثقافية كبيرة ومهمة، وتلعب دوراً كبيراً في الحركة الثقافية والاجتماعية، وفي وعي جمهور القراءة. لكن يبدو، بشكل واضح، ضرورة توقف القائمين عليها ملياً أمام أنشطتها، فبعض الوجوه انمسحت معالمها من كثرة وجودها المتكرر في كل المعارض، حتى غدت بلا ملامح! كما أن هناك أنشطة لا يحضرها إلا المحاضر والمقدم، مما يضطرهما في مرات كثيرة للحديث معاً أو مع نفر أقل من عدد أصابع اليد الواحدة.معارض الكتب العربية تظاهرات ثقافية مهمة، لكنها بحاجة إلى أن تكون عصرية ومتطورة، وليس أقل من النظر إلى معارض الكتب الأجنبية والأوروبية تحديداً ومحاولة التعلم منها!