المدن الحدودية
هناك ارتباط بين التاريخ والجغرافيا أو الأحداث والزمان والمكان، فالدول عبر مراحل تاريخها كانت تهتم بإقامة المدن الحدودية أو التجمعات السكانية على الحدود لإضفاء الشرعية أو السيادة على الأرض، فكان في عصور الدول الإسلامية ما سمي "الثغور"، وهي تجمعات سكانية لها مصالح اقتصادية وشبه مسلحة للدفاع عن أرضها وفي الوقت نفسه عن حدود الدولة، ولها فيها مصالح اقتصادية.واختلفت تسميات ذلك من دولة لأخرى، ومن عصر لآخر، فالبعض كان يسميها المستوطنات، وغالباً ما تكون على الحدود، وهي خط الدفاع الأول عن الدولة وأراضيها، وأحياناً منطق القوة يفرض ذلك الوجود خارج حدود تلك الدول لحماية كيانها وحدودها كما فعلت إسرائيل، كما أن الحركة السنوسية قد أقامت الزوايا، وحروب عبدالعزيز بن سعود لإقامة المملكة العربية السعودية في الجزيرة العربية قد أقامت الهجر، وهناك دول تلجأ إلى الأراضي المنزوعة السلاح مع جيرانها لحماية كياناتها.
إن المدن الحدودية تعني وجود سكان مواطنين على أراضي الدولة تضفي الشرعية على الأرض التابعة لها لأن هناك سهولة لسيطرة الأعداء على الأرض الخالية، وصعوبة كبيرة بالسيطرة على الأرض المأهولة بالسكان. يفترض بعد الاستقلال السياسي أن تتضح معالم خرائط الدول وحدودها، لكن أن تبقى المناطق الحدودية غير مأهولة بالسكان فهذا يعرضها للخطر، أما استراتيجية الاهتمام بالداخل وإهمال أو تأخير إنشاء المدن الحدودية فهذا أمر في غاية الخطورة، وأكثر من ذلك تلجاً بعض الدول إلى تهجير سكانها إلى المناطق الحدودية لتغيير هويتها الديمغرافية، ولنأخذ خرائط الدول، ونتأمل المناطق الحدودية لنبّين تلك الحقيقة، في لواء الإسكندرونة والجولان السوريين، وعربستان العراقية في جنوب غرب إيران، والحدود العربية للصحراء الغربية مع المغرب، والضفة الغربية لفلسطين وغيرها. لكن أن نفكر بالمدن الحدودية ولو متأخرين أفضل من ألا نفكر أو لا ننجز هذه المشروعات، خصوصا في الدول ذات المساحة المحدودة كالكويت في عصرنا الذي استقرت فيه الدول وحدودها، وعليها أن تتحرك ديمغرافياً، داخل حدودها وذلك يعني الاهتمام بالجزر والمدن الحدودية، وإن الشروع في إقامة تلك المشروعات ضرورة استراتيجية في الوقت الراهن لتوافر الإمكانات من عائدات النفط، وهناك دول مساحتها صغيرة، وعدد سكانها ينمو ويتطور بسرعة كمصر والمغرب ودول الخليج العربية، وقليلة هي الدول التي تعيش حالة من التوازن بين المساحة والسكان، وإن التفكير والشروع في إقامة المدن الحدودية قضية استراتيجية لها أهميتها ديمغرافياً وتنموياً وأمنياً.