الأزمات النووية القادمة
مع توافر التكنولوجيا النووية بشكل متزايد، وتفكك اتفاق الحد من التسلح وسط تجدد التنافس بين القوى العظمى، وإضعاف التحالفات مع انسحاب الولايات المتحدة من العالم، وتلاشي ذكريات هيروشيما وناغازاكي، نحن على وشك دخول مرحلة جديدة وخطيرة.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
ومع ذلك، بدأت إيران عملية بطيئة وثابتة لتجاوز الحدود المنصوص عليها في الاتفاقية، وذلك لإقناع الولايات المتحدة وأوروبا بتخفيف العقوبات الاقتصادية، ووفقا لحساباتها، يمكن أن تقلل هذه الخطوات بشكل كبير الوقت الذي تحتاجه لإنتاج أسلحة نووية دون التعرض لهجوم، لكن من المحتمل أن تقود تصرفات إيران الولايات المتحدة، أو على الأرجح إسرائيل، إلى توجيه ضربة وقائية تهدف إلى تدمير جزء كبير من برنامجها.يمكن أن تقود مثل هذه الضربة عدة قوى إقليمية أخرى، بما في ذلك تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، إلى تطوير أو امتلاك أسلحة نووية خاصة بها. لقد اقترحت تركيا أنها قد تختار تطوير أسلحة نووية بغض النظر عما تفعله إيران.تتجاوز كوريا الشمالية إيران بفارق كبير: لديها بالفعل عشرات الأسلحة النووية والصواريخ، وقد اختبرت صواريخ يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة، وتقوم بتطوير أسلحة نووية تطلقها الغواصات. إن فكرة موافقة كوريا الشمالية على التخلي عن أسلحتها و"نزع الأسلحة النووية" هي فكرة خيالية. يعتقد زعيمها، كيم جونغ أون، أن الأسلحة النووية وحدها هي التي يمكنها ضمان بقاء نظامه، وهو اعتقاد تعززه تجربة أوكرانيا، التي قبلت الضمانات الأمنية في مقابل التخلي عن الأسلحة النووية التي ورثتها من الاتحاد السوفياتي، فقط لتتمكن روسيا من غزوها بعد 25 سنة.تتمثل إحدى المخاطر في حصول كوريا الشمالية على مدى السنوات القليلة المقبلة على ترسانة كبيرة من شأنها أن تشكل تهديداً خطيرا للولايات المتحدة، ويكمن الخطر الآخر في حاجة جيران كوريا الشمالية، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان، إلى أسلحة نووية خاصة بها نظرا إلى تهديد كوريا الشمالية وتراجع ثقتهم في موثوقية الولايات المتحدة وضماناتها لحمايتهم بقواتها النووية. يُعد السباق للحصول على أسلحة نووية، والذي يمكن أن يؤدي إلى حرب وقائية، خطرا حقيقيا في كلا المنطقتين. حتى لو تم تجنب هذه الحرب، فإن وجود ترسانات نووية متعددة سيزيد إغراء بلد أو أكثر للضرب أولاً عند حدوث الأزمة. قد تصبح مقولة "ما لا تستخدمه تفقده" وصفة لعدم الاستقرار والصراع عندما لا تكون القدرات قوية بما يكفي لاستيعاب أي هجوم ولا تزال قادرة على تحديد نوع الانتقام المدمر الضروري للردع الفعال. علاوة على ذلك، تُعد الهند وباكستان، وهما دولتان لهما تاريخ طويل من الصراع الثنائي، قُوتان نوويتان، ولا يمكن افتراض الردع النووي، بل من السهل للغاية تصور هجوم إرهابي تدعمه باكستان يؤدي إلى انتقام هندي، والذي بدوره قد يدفع باكستان للتهديد باستخدام الأسلحة النووية، لأن قواتها العسكرية التقليدية لا يمكنها التنافس مع قوات الهند. هناك أيضًا احتمال تراجع القيادة والسيطرة على الأسلحة ويمكن أن يجد جزء من هذه الأسلحة أو أكثر طريقه إلى أيدي الإرهابيين. لقد مر ما يقرب من 60 عاما منذ أن توقع مرشح رئاسي شاب يدعى جون ف. كينيدي أن ما يصل إلى 20 دولة يمكن أن تحقق القدرة على صنع الأسلحة النووية بحلول نهاية عام 1964، ولحسن الحظ، ثبت خطأ كينيدي، وقد وصل عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى تسع دول فقط، وقد أثبتت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 أنها فعالة للغاية، ويعزى ذلك جزئياً إلى دعمها لمنع تصدير التكنولوجيات الحيوية وتحديد الأسلحة والعقوبات وقوة التحالفات، مما يقلل من حاجة البلدان إلى الاعتماد على نفسها.ولكن مع توافر التكنولوجيا النووية بشكل متزايد، وتفكك اتفاق الحد من التسلح وسط تجدد التنافس بين القوى العظمى، وإضعاف التحالفات مع انسحاب الولايات المتحدة من العالم، وتلاشي ذكريات هيروشيما وناغازاكي، نحن على وشك دخول مرحلة جديدة وخطيرة. قد تصبح المنافسة النووية أو حتى استخدام الأسلحة النووية مرة أخرى أكبر تهديد للاستقرار العالمي، ومن غير المؤكد ما إذا كان قادة اليوم على استعداد لمواجهة هذا التحدي القادم.* ريتشارد ن. هاس* رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب "عالم في حالة فوضى".«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»