رسالة إلى المعلّم
رسالة إلى المعلّم الذي اختار هذه المهنة وهو على علم بالمسؤولية الواقعة على عاتقه، وإلى المعلّم الذي لم يكن يعلم بذلك لكنه علِم فيما بعد التوظيف أنه ليس مجرد ناقل للمعرفة، عزيزي المعلم وعزيزتي المعلمة هذه رسالة من زميلة لكم أحبّت أن تُلفت انتباهكم للبذور التي تحملونها بأيديكم، والتي قد يعلم بعضكم عنها ويغفل آخرون. البذور التي وُضعت بأيديكم هي بذور التغيير، هي القوة التي تميزكم عن كل العاملين على هذه الأرض، فأنتم- كما يحكي التاريخ- صنّاع التغيير في المجتمعات، فلا تستهينوا بما عندكم، كلنا سمعنا بأمم سبقتنا نهضت وتقدمت وازدهرت وكان السبب الرئيس وراء ذلك هو المعلم، فهو على ارتباط وثيق بكل أفراد المجتمع وبكل شرائحه وفئاته لأن الناس كانوا يوماً ما طلبة على مقاعد الدراسة قبل أن يتسنّموا مناصب عليا في الدولة، فقبل أن يكون الرئيس رئيساً كان طالباً بين أيديكم، وقبل أن يكون الأب أباً كان يتعلم منكم، والوزير والطبيب والمهندس والمحاسب بل حتى المعلّم كانوا يوماً ينظرون لكم بأنكم القدوة التي عليهم أن يحتذوا بها.للمعلم في كل المجتمعات قوة وهيبة، إذا شاء هو أن يكون له ذلك، فهو من يفرض احترامه على الآخرين، وهو من يجعل من كلمته كلمة مسموعة، وهذا لا يكون ممكناً إلا إذا تحرّك المعلم بالاتجاه الصحيح، وأوّل طريق على المعلم أن يسلكه هو أن يرفض الظلم بكل أنواعه سواءً كان صادراً من غير فئة المعلمين، كالساسة والقضاة والوزراء وغيرهم، أو كان صادراً من المعلمين نفسهم، وربما تتساءل أيها الزميل والزميلة؛ كيف لنا أن نكون أقوياء في مجتمع يسخر منا ويقلل من أحجامنا وأدوارنا؟ وهنا عليكم أن تعرفوا أن من يحارب الفساد والظلم هو من تكون له كلمة مسموعة، وليس محاربة الفساد في المطالبة بالمكتسبات الشخصية الخاصة بالهيئة التعليمية كزيادة الرواتب أو تخفيف الأعباء، بل هي بالاهتمام بالشأن العام، والنشاط في الكتابة ضد من يفتعل الفوضى في الهرم التعليمي، وكل من يقف وراء هؤلاء، بل إن دور المعلم يتعدى ذلك إلى المطالبة بجعل التعليم أولوية في سياسة الدولة، والسعي لذلك وعدم الرضا بحال معوجّة.
وحتى يكون كل ما ذكرته متحققاً فلا بد أن ينشط المعلّم في تثقيف نفسه وزملائه بالسياسات التربوية العالمية، وكيفية تأثرها وتأثيرها في أنظمة الدول الحديثة، وأن ينهض المعلم من السبات الذي شاءت له الوزارة أن ينامه إلى المطالبة بإقرار نظام تعليمي وفق منهج علمي واضح وبمشاركة أهل الميدان، وأن يتحرر من الشباك التي يراد له أن يتقيد بها وهي شباك الأعباء الإدارية بالسعي في معرفة مواطن الخلل في المجتمع ومحاولة إصلاحها على نطاق خاص في حصصه الدراسية، وعلى نطاق عام في محيط المدرسة والمنطقة بل الوزارة، فإن حالة "أنا مالي شغل" لا يمكن أن تؤتي ثمارها.هل تعرف عزيزي المعلم وعزيزتي المعلمة من هو السبب في فشل كل محاولة لتغيير واقع التربية؟ إنه المعلم نفسه، لأنه يرفع يده عن كل شيء ويقرر أن ينفذ ما يطلب منه فحسب، هكذا يراد له وهذا ما يقرر المعلم أن يفعله. هل لك أن تتخيل كيف ستنقلب الحال لو أنك اخترت اليوم أن تستخدم العصا التي بين يديك؛ عصا التغيير؟ كيف سيبدو المجتمع لو أنك نهضت ونفضت غبار التواكل وقررت أن يكون لك ولزملائك ولأبنائك ولطلبتك ولمجتمعك مستقبلٌ مختلفٌ؟!