في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي جرت الانتخابات الرئاسية في أفغانستان للمرة الرابعة بعد طرد حركة طالبان في عام 2001، وبعد حوالي شهرين لم يتم اعلان نتائج تلك الانتخابات كما أن نسبة مشاركة الناخبين هبطت الى أدنى نقطة في هذه السنة في تاريخ البلاد الديمقراطي، ما عزز الشكوك في امكانية كونها تمثل المصالح الشاملة للشعب الأفغاني.وما يزيد من عوامل القلق أن تلك الانتخابات أثارت أسئلة حول فقدان ثقة الشعب في فعالية ديمقراطية وشرعية القرارات التي تم اتخاذها عن طريق العمليات الديمقراطية.
ومن بين حوالي 35 مليوناً يمثلون سكان أفغانستان (ثلثهم من النساء) تم تسجيل 9.6 ملايين نسمة للتصويت في تلك الانتخابات، وتشير النتائج الأولية الى أن المشاركة كانت متدنية بدرجة تاريخية، وأن ما بين 20 و 25 في المئة من الناخبين المسجلين شاركوا فيها.وأبلغ فريقا الرئيس الأفغاني أشرف غني ومنافسه الرئيسي عبد الله عبد الله عن حوادث تزوير وهو ما قد يؤخر عملية اعلان نتائج تلك الانتخابات – وبحسب مراد خان نيجرابي وهو نائب عن اقليم كابيسا الذي دعم الرئيس غني بعد أن كان من أشد منتقديه في الماضي اذا لم تكن اللجنة الانتخابية المستقلة قادرة على اعلان النتائج في وقت قريب فإن ذلك سوف يلحق الضرر باستقرار البلاد والثقة في مؤسساتها أيضاً.وتميزت الانتخابات الأخيرة أيضاً باستمرار الأمل الذي عبر عنه الشعب الأفغاني منذ بداية تاريخه الديمقراطي، وقد أشار ناشط بارز وسياسي مرموق طلب عدم نشر اسمه الى أن عدد الناخبين يثير الشكوك حول نزاهة الانتخابات، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت تلك الانتخابات خطوة في الاتجاه الصحيح لأنها بعثت برسالة الى حركة طالبان وإلى المجموعات المتطرفة الأخرى بأن الشعب الأفغاني ملتزم بالمضي نحو مجتمع ديمقراطي والحفاظ على الجمهورية نموذجاً للدولة.
ما قبل الانتخابات
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، قال وزير الداخلية الأفغاني مسعود أندرابي إن الحكومة بذلت جهوداً بمساعدة مستشارين أميركيين لضمان مراكز الاقتراع والناخبين، وفي الوقت نفسه أعرب الوزير عن ثقته بأن تفضي تلك الجهود إلى تحقيق الغاية المنشودة، مشيراً في هذا الصدد إلى اقتصار عمليات العنف على محاولة واحدة فقط استهدفت أحد المرشحين كما أن 92 في المئة من مراكز الاقتراع كانت خاضعة لحماية أمنية تامة, وقامت السلطات المعنية بعد الانتخابات بنقل صناديق الاقتراع بطريقة مضمونة من مختلف أقاليم البلاد الى العاصمة كابل لتسليمها إلى اللجنة الانتخابية المستقلة.من جهة أخرى، رد رئيس الأركان الأفغاني الجنرال وزيري على تهديدات حركة طالبان الأمنية بالقول: «لدي رسالة إلى حركة طالبان تفيد بأن عليكم عدم منع الشعب الأفغاني من ممارسة حقوقه وإذا كنتم من الأفغان فعليكم السماح للشعب بالتصويت من أجل تشكيل حكومة قوية، وبعد ذلك سوف يكون في وسعكم المشاركة في مفاوضات سلام مع تلك الحكومة... ولكن ذلك لن يكون ممكناً إذا استمرت الحركة في عرقلة العملية». ويتعين أن يكون خلق الظروف التي تمكن كل شرائح المجتمع الأفغاني من المساهمة في السلام أحد أكثر الأهداف أهمية التي تفضي إلى السلام والاستقرار والتقدم بالنسبة إلى الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي في الأعوام المقبلة.وبحسب مقابلات أجريت مع مواطنين أفغان كانت التهديدات والأخطار الأمنية إضافة إلى العنف والخوف من تزوير الانتخابات الأسباب الأساسية وراء عدم توجه السكان للاقتراع.في غضون ذلك، قال عضو البرلمان الأفغاني مراد خان نجرابي إن «الأمن كان القضية الكبيرة في أي انتخابات، وقد لعب دوراً بارزاً في هبوط حجم مشاركة الناخبين، وعلى أي حال فإن عدم الثقة بالمؤسسات الأفغانية كان السبب الأكثر أهمية وراء هبوط حجم المشاركة الشعبية في الاقتراع، ولكن كان من الجيد إجراء الانتخابات، وكان يتعين تشكيل حكومة من أجل زيادة الثقة في تلك الانتخابات، ولتظهر للشعب الأفغاني أن اللجنة الانتخابية المستقلة حرة في التصرف وبعيدة عن أي ضغوط سياسية».فقدان الثقة بالعملية الانتخابية
وبحسب نجرابي فإن عدداً أقل من الناخبين يقترعون في كل انتخابات بسبب فقدان الثقة بهذه العملية في كل مرة، كما أن الحكومات الأفغانية المتعاقبة فشلت في الوفاء بوعودها، إضافة إلى أن الناخبين فقدوا الثقة باللجنة الانتخابية ويشعرون أنه لا قيمة لتصويتهم. وقد مثل تراجع الثقة في الديمقراطية في أفغانستان مصدر القلق الأكبر الذي برز في الفترة ما بين انتخابات عام 2014 واليوم. ومن الأهمية القصوى أن تتعاون المؤسسات داخل وخارج أفغانستان بصورة وثيقة مع المجتمع المدني والهيئات غير الحكومية والأطراف الاخرى من أجل استعادة الثقة في الديمقراطية الى المجتمع الأفغاني.في غضون ذلك، أشاد مجلس الأمن الدولي بشجاعة الناخبين الأفغان وعمال مراكز الاقتراع ومراقبي العملية الانتخابية والقوات الأمنية، وهو ما مكن من تحقيق الانتخابات الرئاسية على الرغم من وجود تحديات فنية وأخطار أمنية، كما شجب المجلس الأعمال التي قامت بها مجموعات حاولت تعطيل العملية الانتخابية.من جهة أخرى، طرحت اللجنة الأوروبية بياناً يقول: «نحن نتوقع أن يمارس المرشحون ضبط النفس وانتظار النتائج الرسمية الأولية والنهائية من اللجنة الانتخابية المستقلة، ومن ثم تقديم أي شكوى مبنية على أدلة عن طريق الآلية المؤسساتية الممثلة في اللجنة الانتخابية المستقلة» المكلفة بمتابعة الشكاوى. وفي أعقاب انتخابات عام 2014 الرئاسية أفضت الخلافات بين المرشحين الرئيسيين وهما أشرف غني وعبد الله عبد الله الى اتفاقية تهدف الى تقاسم السلطة بوساطة من حكومة الولايات المتحدة وتقضي بالحد من فعالية الحكومة الأفغانية في جهود تعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي الاجتماعي في البلاد. ومن المحتمل بعد اعلان نتائج الانتخابات أن يواجه المرشحان هذه المرة أيضاً خلافات مماثلة.وعلى الرغم من نصيحة لجنة الانتخابات المستقلة، زعم المرشحان الحصول على فوز بعد إعلان النتائج الأولية مباشرة، وقالا إنهما لن يقرا بفوز المنافس بسبب التزوير الذي شاب العملية الانتخابية. و قال مجيب ماشال من صحيفة نيويورك تايمز: «يقول مستشارو الرئيس أشرف غني إن لديهم هامشاً مريحاً إلى درجة أنه إذا أسقطنا نصف مليون تصويت فإنهم سيفوزون «. من جهة اخرى، يقول مستشارو المرشح عبد الله عبد الله: اذا أزيلت كل الأوراق المزورة فإن مرشحهم سوف يفوز من الجولة الأولى، ومن الأهمية بمكان أن يوافق المرشحان على نتيجة الانتخابات بسرعة بعد اعلانها من أجل ضمان عدم حدوث تأخير في قدرة الرئيس الجديد على تبني الجهود الرامية الى معالجة التحديات الأمنية والاجتماعية والسياسية الكبيرة التي تشهدها البلاد.تحديات تواجه الرئيس
وكرر نجرابي أهمية التحديات التي ستواجه الرئيس الجديد بالنسبة الى مستقبل أفغانستان، وقال انه على الرغم من تحديد المرشحين لسلسلة من المبادرات الاقتصادية والسياسية، فإن «الكثير من وعودهما تبدو غير واقعية»، كما أشار أيضاً الى سلسلة من الأسئلة المتعلقة بقضايا الأمن الداخلي التي يتعين على الرئيس الجديد معالجتها مثل كون النزاع المسلح ضد حركة طالبان السبيل نحو سلام طويل الأجل ومستدام. وتحدث عن الصعوبات المرتبطة بتقوية الشراكات والتعاون بين القوى الإقليمية وأفغانستان في مواجهة الإرهاب.ولاحظ نجرابي الاتجاهات المثيرة للقلق في السياسة الخارجية الأميركية مثل انسحاب القوات من شمال سورية وخشيته «من حدوث ذلك في أفغانستان من دون اتفاق سلام، لأن ذلك سوف يفضي الى مزيد من سوء الوضع على الأرض مع تحول البلاد من جديد إلى ملاذ للجماعات الارهابية «. وأصر على عدم إشغال الولايات المتحدة وصرفها عن جهودها في أفغانستان، لأن ذلك سيفضي الى تحديات جيوسياسية واجتماعية وأمنية معقدة للغاية.في غضون ذلك، قال زبير غيرات، وهو ناشط في مجتمع ما بعد طالبان، إن الانتخابات «كانت نقطة تحول بالنسبة الى الشعب الأفغاني وقد اتخذنا القرار المتعلق بمستقبلنا بأنفسنا، ولم نسمح لأحد باتخاذه نيابة عنا، ونحن نريد من الرئيس الجديد أن يحذو حذونا والاستمرار في رفع وتعضيد الدور الجيوسياسي لأفغانستان لا العكس». وعندما سئل عن أكثر ما يقلقه في الانتخابات الأخيرة، قال غيرات إنه «الدور البارز الذي يلعبه التوتر الطائفي والقبلي باستمرار في السياسة الأفغانية، وقد شعرت بأسف لرؤية البعض ينتخبون شخصيات بسبب الانتماء القبلي أو الطائفي لا خدمة للديمقراطية».واليوم أصبح من واجب المجتمع الدولي مساعدة الشعب الأفغاني على التمسك بالأمل للخلاص من تداعيات التطرف والفساد والحرب وإراقة الدماء طوال عقدين من الزمن.غبرييل بيكيلو**