الفائدة ليست ربا... لاختلاف البيئة والغرض في زمن التحريم عن وقتنا الحاضر

المفهوم يجب أن يخضع للنقاش بين فريق من علماء الشريعة الإسلامية وآخر اقتصادي

نشر في 24-11-2019
آخر تحديث 24-11-2019 | 00:04
الفائدة ليست ربا... لاختلاف البيئة والغرض في زمن التحريم عن وقتنا الحاضر
الفائدة ليست ربا... لاختلاف البيئة والغرض في زمن التحريم عن وقتنا الحاضر
ذكر «الشال» أن النقود في زمننا الحاضر هي وسيط للتبادل، وقيمتها تتأثر بالتضخم الذي يشمل السلع والخدمات التي تسعّر بها، فإن اقترض فرد 100 دينار من فرد آخر مدة سنة، واستعاد المبلغ عند انقضائها، فإن الـ 100 دينار لا تشتري بعد سنة سوى 95% مما كانت تشتريه عند إقراضها، وهنا يصبح المقترض قد تقاضى فائدة هي بحكم الربا، وعليه، فالتضخم عامل يحدد مستوى الفائدة من دون ربا سالب.
قال تقرير «الشال» الاقتصادي الاسبوعي إن هناك خلافا مشروعا ومفيدا حول تعريف الربا، طرفه الأول جمهور علماء الشريعة الإسلامية الذين ينظرون إلى الفائدة على أنها ربا في المطلق، وطرفه الثاني اقتصاديون يحررون الفائدة حتى مستوى معيّن من الربا، وتحريرها مرتبط بعوامل ومتغيرات الاقتصاد الكلي.

ومبرر تناول الموضوع في هذا التوقيت في تقريرنا، هو تلك الزوبعة التي أثيرت حول الاكتتاب في أسهم شركتي «شمال الزور الأولى» و«بورصة الكويت»، ورأينا أنه من الأفضل إبداء رأي بعد هدوء الخواطر التي أثارتها، فالأصل هو البحث عن المخارج وليس الاصطفاف العاطفي.

وأوضح «الشال» أنه من وجهة نظر اقتصادية، الفائدة بالمطلق ليست ربا لاختلاف البيئة والغرض في زمن تحريمها عن زمننا الحاضر، وهناك عوامل لابد من أخذها في الاعتبار عند الحكم على حد الفائدة الأقصى، قبل تحوّلها إلى ربا، فإلى جانب ضرورة قياس المنافع والتكاليف الناتجة عن توظيف الأموال، وهي الفاصل ما بين التحريم والإباحة لابد من النظر إلى عوامل قياس أخرى.

فالنقود في زمننا الحاضر هي وسيط للتبادل، وقيمتها تتأثر بالتضخم الذي يطال السلع والخدمات التي تسعر بها، فإن اقترض فرد 100 دينار من فرد آخر لمدة سنة، واستعاد الـ 100 دينار عند انقضائها، وتلك الـ 100 دينار بعد سنة لا تشتري سوى 95% مما كانت تشتريه عند إقراضها، يصبح المقترض قد تقاضى فائدة هي بحكم الربا، وعليه، فالتضخم عامل يحدد مستوى الفائدة من دون ربا سالب، بينما في القديم كانت المعادن بالمعادن والغلات بالغلات.

وهناك أيضاً عامل المنافسة، فإن أصبحت بيوت الإقراض كثيرة، تحكمها رقابة، فهي لا تستطيع فرض إرادتها أو مستوى فائدتها على المقترض، ولكي تستمر، لا تستطيع سوى فرض تكلفة الأموال عليهـا، أو العائد الذي تمنحه للمودع والقريب من معدلات التضخم، زائدا تكلفة إدارتها وهامش ربح معلوم لمساهميها.

ويبقى الأهم، وهو علاقة الفائدة بالنمو الاقتصادي، وتمويل النمو الاقتصادي يتطلب حشد الأموال من الداخل والخارج لتمويل مشروعات التنمية، وكلما ارتفعت معدلات النمو، عنى ذلك خلق فرص العمل والحفاظ على المجتمع من شرور البطالة. والأموال تتبع العائد التنافسي في أي مكان بالعالم، مشروطا باستقرار وازدهار البلد، وتحقق تلك المنافع يجعل حدود الفائدة المباحة مرنة، لأن الضرر من عدم المنافسة عليها أكبر بكثير من دفع تكلفتها، وهو تعرّض البلد لمخاطر سياسية واجتماعية.

ويشير تقرير حديث لوضع الاقتصاد العالمي الإسلامي 2019/ 2020»State of the Global Islamic Economy Report»، إلى أن حجم سوق السلع الإسلامية في عام 2018 بلغ نحو 2.2 تريليون دولار، ومقدر له أنه يحقق نموا مركبا بحدود 6.2%، ليبلغ نحو 3.2 تريليونات دولار بحلول عام 2024، وأن حجم الأصول المالية الإسلامية بلغ في العام نفسه 2.5 تريليون دولار.

كما يذكر التقرير أن الاستثمار في شركات منتجات سلع وخدمات إسلامية بلغ 1.2 مليار دولار في عام 2018 مرتفعا بنحو 399%، نصيب شركات منتجات الحلال منها نحو 54%، ونحو 42% من شركات الخدمات المالية.

وفي الحقلين السلعي والخدمي، لايزال نصيب المنتج الإسلامي ضئيلا، ولا يتناسب مع نصيب المسلمين من سكان العالم أو اقتصاده. ومصدر معظم النمو في الإنتاج السلعي الإسلامي إما في دول غير إسلامية تنتج للمسلمين، أو دول إسلامية تأخذ بالتعريف المرن للربا، مثل ماليزيا وتركيا ودبي، ذلك يحجب الكثير من منافع النمو عن تلك الدول التي تأخذ بالتعريف الضيق للربا.

ورغم الاختلاف الجوهري بين نهج الديانتين، تشابهتا في تعريف مفهوم الربا، بشكل عام، والخلاف حول الربا بمعناه الضيق والمرن كان تجربة مرت فيها أوروبا في عصورها الوسطى إبان تخلّفها عندما كانت الكنيسة مصدر معظم السلطات، حينها قاومت الكنيسة مبدأ نشوء الصيرفة التقليدية على يد عائلة «مديتشي» في فلورنسا المدينة الدولة في القرن الرابع عشر.

فالوضع لديهم حينها كان مبرراً عندما كانت بنوك الطاولات (التخت) المنتشرة في الأسواق تجول بمندوبيها للبحث عن أشد الناس حاجة لتفرض عليه شروطها كما الحال في صدر الإسلام، وقدر مستوى الفائدة حينها في إحدى المدن البلجيكية «Bruges» بمعدل 43.5%، ترتفع إلى 60% في مدن أوروبية أخرى.

لكن القرنين الرابع عشر والخامس عشر ارتقيا بتلك المصرفية إلى بنوك كبرى تتنافس عبر الحدود لتمويل مشروعات عصر النهضة الأوروبية. ولم يشفع ذلك النجاح الباهر، إذ احتاج «كوسيمو مديتشي» أبرز شخوص العائلة المصرفية في آخر أيامه إلى طلب صك غفران من «البابا» يحرر روحه ويحميه من مصير محتوم في الدرك الأسفل لجهنم، واشترط البابا لتطهيره قيامه ببناء مجمع كنسي ضخم، وكانت بداية تغيّر موقف الكنيسة، أي البحث عن مخارج وليس حكما قطعيا.

ما نعتقد أنه صحيح، هو أن يخضع مفهوم الربا لدينا لنقاش هادئ، بين فريق من علماء الشريعة الإسلامية وفريق اقتصادي، وليأخذ هذا النقاش وقته، ودون ضجيج، فهدف الفريقين ليس انتصار أحدهما على الآخر، وإنما توحيد قوى العقل لما هو في مصلحة الكويت التي ستواجه قنبلة موقوتة وضخمة في سوق العمل لديها.

back to top