الأبارتهايد ثم الأبارتهايد ثم الأبارتهايد
بغض النظر عما إذا كان نتنياهو سيضطر للاستقالة، مع احتمال ذهابه للسجن بسبب فساده، أو إن كان سيحاول البقاء، خلال فترة محاكمته، وبغض النظر عن إمكانية تشكيل حكومة وحدة صهيونية بين حزبي الليكود وغانتس (في حال نجاح جدعون ساعر منافس نتنياهو في انقلاب يخطط له ضده)، أو إن قام غانتس بتشكيل حكومة جديدة تستفيد من تفتت معسكر نتنياهو، فإن المحصلة بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني واحدة. سيسعى حكام إسرائيل لمواصلة تفتيت الضفة الغربية، وضمها جزءاً جزءاً، وسيعملون على إبقاء قطاع غزة منفصلا عن الضفة الغربية، وسيواصلون تكريس منظومة الأبارتهايد العنصرية. ومن واجب الفلسطينيين، أيا كان موقعهم، أن يروا الحقيقة، وهي أن ما يسمى "خيار الدولتين" تلاشى، وأنه لم يعد سوى ورقة تين يستر بها المجتمع الدولي تخاذله عن مناصرة حقوق الشعب الفلسطيني، وجبنه أمام الإرهاب السياسي والنفسي الذي يمارسه اللوبي الصهيوني، وتقصيره في حماية القانون الدولي وتطبيقه.
مثلما كانت "عملية السلام" ذريعة للتخاذل، والهروب من المسؤولية، يستمر "حل الدولتين" عنوان اللا فعل، واللا عمل، والانشغال بكل ما يمكن الانشغال به عن القضية الفلسطينية. يجب بالطبع ألا تُمنح إسرائيل فرصة التنصل من جريمتها بقتل "حل الدولتين"، ويجب ألا تُوفَّر أي جهد في شرح ذلك للمجتمع الفلسطيني، والعربي، والدولي، ولكن ذلك لا يعني أن نبقى أسرى في قفص "أوسلو" والاتفاقيات التي خرقتها إسرائيل، ومزقتها، وألقت بها في سلة المهملات. لا بد من الانتقال لاستراتيجية أخرى، تُبنى وحدة فلسطينية حولها، وتركز على طبيعة ما أنتجه الاستعمار الكولونياني الصهيوني، والنكبة، والاحتلال، من نظام أبارتهايد هو الأسوأ في تاريخ البشرية، ولا بد أن يكون عنوان النشاط الدبلوماسي والتضامن والإنساني الدولي، إسقاط نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري الإسرائيلي، ولا بد أن يكون المطلب الفلسطيني الحرية الكاملة، والمساواة الكاملة القومية، والمدنية، والديمقراطية بما في ذلك حق العودة. يجب أن يعرف كل إسرائيلي، وكل يهودي، في العالم أن البديل لقيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة ذات سيادة كاملة، لن يكون نظام دولة أبارتهايد واحدة، بل دولة ديمقراطية من النهر إلى البحر على كامل أراضي فلسطين، بما فيها قطاع غزة، يتساوى فيها الناس في الحقوق القومية والمدنية دون تمييز، ولن تكون دولة يهودية كما أراد نتنياهو، والذي سيقرر بنيانها السياسي أصوات الناخبين، حيث لكل إنسان صوت مساو لصوت كل إنسان آخر دون تمييز، ويجب أن يصبح عنوان كل نشاطنا الدولي "إسقاط منظومة الأبارتهايد" في كل فلسطين. ولا بد أن نجند إلى جانبنا كل مناضلي جنوب إفريقيا الذين يستطيعون أن يقولوا بألسنتهم للعالم، إن الأبارتهايد الإسرائيلي أسوأ بكثير من نظام الأبارتهايد الذي عانوه في جنوب إفريقيا، ولم يعد هناك مجال للمرواحة في المكان، ولن يحتمل الفلسطينيون أن يعيشوا في "جيتوستانات" ومعازل مهضومي الحقوق، وأن يُستبدل حلمهم بدولة مستقلة، بسلطات مجزأة وضعيفة تحت سيطرة الاحتلال ونفوذه، وتحكمه الأمني. ومن واجب كل الحركة الوطنية، وكل الوطنيين، والمفكرين أن يكرسوا طاقاتهم لبعث الأمل في صفوف شعبنا، وخاصة جيل الشباب، بنقل الوعي لهم، بأن الحركة الصهيونية هي التي في أزمة، وهي التي ستهزم، ما دمنا باقين على أرض وطننا، وإن استطعنا تجاوز خلافاتنا وتوحيد صفوفنا.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية