حالة الركود في المياه تجعلها مستنقعاً، ثم تتركز فيها الأمراض. والأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة متعددة كالتيفوئيد والإسهال الحاد والكوليرا وغيرها، التي تقتل نحو 3.4 ملايين إنسان سنوياً.تتمدد وتسترخي طيور الفلامنكو قرب جامعة الكويت بالشويخ ومنطقة المستشفيات، وتتسلسل هذه الطيور هناك بتشكيل بديع تخاله خارج الكويت، وقيل لي إنها صارت طيوراً مقيمة، ويبدو أنها اختارت ذلك المكان؛ لأنها تقتات على الفضلات المتراكمة من مجرور المياه الذي يصبّ هناك.
هذا المنظر الجميل تفسده وتسيء إليه رائحة كريهة، على مدى التاريخ والسنوات. الغريب أنه منذ 1952 تم تشييد الأبراج والمناطق والشوارع، ووصلت خارج "خط التنظيم العام"، إلا أن تلك الرائحة الكريهة الفاسدة لم يعالجها أحد حتى هذه اللحظة، رغم أن علاجها سهل. بموجب خطة التنمية الأولى، وربما الأخيرة التي تم تنفيذها، كانت جامعة الكويت بالشويخ من أوائل المباني التي تم بناؤها حسب الخطة. كان اسم الجامعة مكتوباً على المخطط الهيكلي لـ 1952، ولعدم كفاية عدد الطلبة تم تسميتها ثانوية الشويخ، وصارت سكناً داخلياً، نظراً لبُعدها ولعدم توافر سيارات للطلبة، ذلك المبنى الرشيق تم تنفيذه في وقت قياسي، وضمن الميزانية، بل تم إنشاؤه وتجهيزه قبل تأسيس الجامعة بنحو 15 عاماً. أما الآن فيتم رصد الميزانية، وتوظيف المسؤولين، وصرف الرواتب، ويتجاوز البناء مدته وتتضاعف ميزانيته، وربما يُنجَز أو لا ينجز، وليس ذلك إلا نتيجة للحالة العامة.خطة التنمية لعام 1952 تكمن أهميتها في أن شكل الكويت، كما نعرفها الآن، قد تأسس بموجبها، وربما هي الخطة الوحيدة التي تم تنفيذها، ببنيتها التحتية، ومناطقها، وحدائقها، وطرقها ومدارسها، ومستشفياتها وتنظيمها الهيكلي وغير ذلك الكثير، أما الخطط الأخرى التي تلتها فلم يكن لها إلا الرياح العاتية تذروها، والشمس الحارقة تبددها. كانت تكلفة خطة التنمية تلك 18 مليون جنيه إسترليني فقط، وبحسبة سريعة ربما تعادل حالياً حوالي ملياري جنيه إسترليني، أي مليار دينار، دون اعتبار لسعر الجنيه المنخفض حالياً، وحتى لو رفعناها إلى ملياري دينار بأسعار اليوم، بينما قيل إن خطة تنمية جزئية منذ سنوات تكلفتها 33 مليار دينار، ومن غير المعروف إن كانت تلك الأموال قد تم صرفها أم لا، وكم مشروعاً تم تنفيذه، وكم تكلفة مشروع كبير واحد، وكم عاماً يستغرق تنفيذه، وكم من الأموال يذهب للفاسدين من مسؤولين وغير مسؤولين؟ ويتعثر المشروع ثم يُلقى اللوم فيه على فرّاش البلدية!تلك الخواطر ليست إلا جزءاً من الحكاية المملة، بمبادئها وبتفاصيلها، فنحن في زمن الكوليرا السياسية، وهي خطيرة، إلا أن رفض الاعتراف بالإصابة والاستمرار في استخدام ذات المخدرات والمسكنات يعدان أكثر خطورة. الخروج من زمن الكوليرا لم يعد خياراً، بل أصبح قدراً.
أخر كلام
الخروج من زمن الكوليرا
25-11-2019