بالتدقيق في بيانات نمو طلب العالم على خام النفط، كانت هناك فروقات كبيرة بين الدول والمجموعات الاقتصادية، واستحوذت الدول النامية، وخصوصا الآسيوية، على كل نمو الطلب تقريبا خلال العقدين الماضيين.

وبالنظر الى نمو استهلاك الصين والهند، فقد مثلتا نحو شطر النمو العالمي في العقدين الماضيين، وظل متوسط طلب الدول الصناعية المتقدمة – المتمثل في مجموعة الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية – شبه ثابت خلال الفترة بين عامي 2000 و2019، حيث كان نحو 47.83 مليون برميل يوميا عام 2000، وما زال تحت مستوى 48 مليون برميل يوميا في 2019.

Ad

وترتب على ذلك، تراجع مساهمة المجموعة الاقتصادية في طلب النفط العالمي إلى نحو 48 في المئة، بعدما كانت تمثل 63 في المئة عام 2000.

مليونا برميل

وارتفع إجمالي طلب أميركا الشمالية بأقل من مليوني برميل منذ بداية الألفية، حيث جاء معظم النمو في الولايات المتحدة، وارتفع قليلا في كندا، لكنه تراجع بعض الشيء في المكسيك، كما انخفض استهلاك الدول الأوروبية الأعضاء في المنظمة بنحو 800 ألف برميل يوميا، وتراجع ايضا استهلاك الدول الآسيوية الأعضاء في المنظمة بسبب تراجع استهلاك اليابان بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميا.

في المقابل، ارتفعت مساهمة الدول غير الأعضاء في منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط " أوبك"في الطلب النفطي العالمي، حيث ارتفع حجمها من نحو 28 مليون برميل يوميا في بداية الألفية إلى ما يقارب 52 مليوناً خلال العام الحالي، لتحقق بذلك نموا بلغ نحو 86 في المئة خلال تلك الفترة.

تضخم الاستهلاك

وحلت الصين على رأس الدول التي تضخم فيها استهلاك النفط، حيث ارتفع من 4.6 ملايين برميل يوميا عام 2000 إلى 13.1 مليون برميل يوميا في 2019، مرتفعا 185 في المئة، وجاءت الهند في المركز الثاني في آسيا، حيث ارتفع استهلاكها بما يقل قليلا عن ثلاثة ملايين برميل يوميا خلال هذا العام، مضاعفا مستواه بنحو مرة ونصف.

ونتج من النمو السريع لاستهلاك الصين والهند النفطي تضاعف أهميتهما للدول المصدرة للنفط، حيث تستوردان معظم استهلاكهما من الخارج.

وحلت الصين مكان الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط في العالم، كما أزاحت الهند، اليابان، عن المركز الثاني آسيويا في استيراد واستهلاك النفط.

أكبر المستهلكين

وارتفع طلب باقي الدول الآسيوية – غير الأعضاء في منظمة "أوبك "في الفترة نفسها، ما دعم الاستهلاك العالمي وصعود الأسعار التي وصلت إلى قمتها عام 2008.

وفي هذا الاطار يرى بعض المراقبين للاسواق النفطية أنه إذا استمر نمو الاستهلاك الصيني على المنوال نفسه، فستصبح الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم خلال فترة وجيزة تقل عن عقد من الزمن.

ولعل الهند مازالت تسير في منحنى الطلب النفطي الحاد، الامر الذي يشير الى مزيد من نموها القوي خلال الأعوام المقبلة.

وجاء استهلاك منطقة الشرق الأوسط من 4.4 ملايين برميل يوميا في بداية الألفية إلى نحو 8.2 ملايين في عام 2019.

الدول الخليجية

وتقف الدول الخليجية على رأس الدول المستهلكة للنفط في المنطقة، التي ازداد معدل استهلاكها اليومي بأكثر من 100 في المئة خلال العام الحالي.

وبينما تشهد العديد من دول المنطقة حالة من عدم الاستقرار تثبط النمو الاقتصادي وتخفض الطلب على النفط ومنتجاته، يرى خبراء نفطيون انه في حال عودة الاستقرار إلى المنطقة، سينتعش الطلب على النفط، ما سيوفر رافدا إضافيا لنمو الطلب العالمي النفطي خلال الأعوام المقبلة.

وشهد استهلاك القارة الإفريقية ازديادا من نحو 2.4 مليون برميل يوميا في بداية الألفية إلى نحو 4.4 ملايين في 2019.

وتوقع بعض المحللين في الاسواق مساهمة القارة الإفريقية في نمو الطلب النفطي، على الرغم من أنها تمثل حاليا أهمية محدودة منه تبلغ 4.4 في المئة.

ظروف معيشية

وأشار الخبراء الى ان تحسن الظروف المعيشية المتوقع للقارة سيقود إلى نمو قوي في طلبها النفطي. وفي الوقت ذاته فقد حقق غرب القارة الإفريقية، نموا جيدا على طلب النفط خلال العام الحالي، وهو مصدر آخر من مصادر النمو المستقبلي.

تحسن الأسعار

وتلعب تغيرات معدلات الطلب العالمي على النفط دورا كبيرا في تماسك أسعار النفط وتحسن أسعاره أو تراجعها فعند تغير الطلب بنسب أعلى قليلا من تغير الإنتاج، تتغير الأسعار بعدة أضعاف من تلك النسبة؛ وتوضح بيانات الطلب خلال العقدين الماضيين، تجمد الطلب النفطي في معظم الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية بسبب وصولها إلى مرحلة الاستقرار السكاني، ومستويات معيشة مرتفعة منذ فترة من الزمن، وتبنيها سياسات الحد من نمو استهلاك النفط.

وبالنسبة للعالم النامي، الذي يشمل الصين والهند، فهو الداعم الحقيقي والكلي لتماسك أسعار النفط وتحسنها خلال العقدين الماضيين، حيث يتركز فيه أغلب سكان العالم، ويشهد معدلات نمو سكاني متوالية، وفي الوقت نفسه ما زال أمام كثير من دوله مجالات واسعة لرفع مستويات الدخل والمعيشة، ما سيوفر عوامل قوية ترفع الطلب على النفط،و تجلب الاستقرار لأسعاره، فضلا عن تحقيق مكاسب إضافية لمصدريه في العقدين المقبلين.

تغير المناخ

وعلى العكس ممما سبق وحول ظاهرة تغير المناخ والدعوة الى اطلاق برامج الطاقة النظيفة والمتجددة؛ فإن هناك شبه إجماع على أن البيانات العلمية المتعلقة بتغير المناخ حقيقية.

ولعل هناك بعض التحفظات بشأنها من البعض، لكن البيانات التي يتوصل إليها علماء المناخ يوما بعد يوم تؤدي إلى النتيجة نفسها وهي ان هناك تغيراً مناخياً.

الاحتباس الحراري

ويرجع البعض السبب الرئيس لهذه الظاهرة إلى انبعاث أكاسيد الكربون في الغلاف الجوي العلوي ما تسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري.

ولكن هناك من يحمل تساؤلات حول امكانية وكيفية تقليل انبعاثات أكاسيد الكربون، دون الإضرار بشكل كبير بأسلوب حياتنا أو عرقلة التنمية في الاقتصادات الناشئة.

ويبدو لجميع الخبراء ان هذه هي المعضلة التي تواجهنا ؛ خاصة مع التوسع في النمو السكاني والذي من المتوقع أن يصل إلى تسعة مليارات بحلول عام 2035.

استهلاك الطاقة

وتوقع الخبراء أن يصل استهلاك الطاقة الأولية إلى نحو 17 مليار طن نفط مكافئ بحلول عام 2035، مبينين أن هذا النمو سيكون مدفوعا بالنمو الاقتصادي في دول بعينها، وبالدرجة الأولى الصين والهند.

ويشيرون الى ان المصادر الرئيسة لتلبية هذا الطلب على الطاقة الأولية هي النفط، الغاز، الفحم، الطاقة المائية، الطاقة النووية والطاقة المتجددة.

وتوضح توقعات "أوبك” وشركة بريتيش بتروليوم وغيرهما لعام 2040 أنه على الرغم من الجهود الجارية، فإن نحو 80 في المئة من الطاقة الأولية ستظل تنتج عن طريق الوقود الأحفوري.

بدائل هيدروكربونية

وبالنظر الى البحث عن بدائل للهيدروكربونات والفحم كوسيلة أساسية للطاقة فإن البعض يرى أن ذلك ينطوي على عديد من التحديات، لكن بشكل عام يمكن تقليصها إلى التكلفة وتقبل المستهلك.

ولفت بعض المعنيين بالشؤون النفطية الى ان الطاقة النووية هي أبسط طريقة لتوليد الكهرباء دون انبعاث أكاسيد الكربون. ومع ذلك، فهي مكلفة.

وبالاضافة الى ذلك فإن المصادر المحتملة الأخرى الخالية من الكربون مثل الألواح الشمسية ومولدات الرياح تعاني مشكلة ايضا، حيث لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل كونها تنتج كهرباء بشكل متقطع؛ وعليه فإنه من اللازم دعمها بواسطة محطات الوقود الأحفوري.