في ديسمبر عام 1952 خيم الضباب الأسود على العاصمة لندن عدة أيام؛ مما تسبب في وفاة أكثر من أربعة آلاف شخص، ويقال إن الرقم تجاوز اثني عشر ألفاً فضلا عن نقل أكثر من مئة وخمسين ألف مريض إلى المستشفيات إلى جانب نفوق عدد كبير من الحيوانات، نتيجة تزايد جزيئات حمض الكبريتيك التي اختلطت بالضباب الطبيعي الذي يغطي المدينة بأكملها.يقال قبيل هذا الحدث أرسلت إدارة الأرصاد تحذيراً إلى رئيس الوزراء السير ونستون تشرشل آنذاك، لكن هذا التحذير لم يصل إليه أو أخفي عنه بهدف إظهار فشله في إدارة الأزمات، وتصويره على أنه لم يعد قادراً على متابعة أعماله بسبب تقدم العمر، وهو العذر الذي قدموه للملكة إليزابيث، ومن قبلها لوالدها الملك جورج السادس الذي رفض وبشكل قاطع التدخل بسلطات الحكومة احترماً للعهد الملكي وللدستور.
السير ونستون تشرشل السياسي المحنك الذي استطاع أن يتجاوز أزمة الضباب الأسود بكل دهاء عندما نزل إلى الميدان، فتناولت صحف بريطانيا خبر وجوده في المستشفى بين الشعب، وأن حكومة بلاده قد لا تستطيع عمل أي شيء لكشف هذا الضباب، لكنها ستوفر كل ما تحتاجه وزارة الصحة من مستلزمات مادية وبشرية، وبذلك أسقط كل الأسلحة الموجهة إليه بعد أن عرف كيف يصل إلى قلب الشارع من بين كل منافسيه الذين اكتفوا بالجلوس على مكاتبهم وإدارة الدسائس له. فور تكليف رئيس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد تناولت مواقع التواصل الاجتماعي من المغردين بعض الأسماء للدخول في الحكومة، وكأن الموضوع محسوم لديهم، بل إن بعض الحسابات حددت أسماء الوزارة كاملة، وكأن لديها مصادرها الموثوقة، وهو أمر يجب الوقوف عنده إن صدقت التوقعات التي لا أتمنى صدقها لوجود بعض الأسماء غير القادرة على إدارة نفسها، فكيف بها تدير وزارة؟! موضوع اختيار الوزراء حدده الدستور، والرئيس الجديد أمام تحديات كبيرة، إذا ما رجعنا إلى الكلمات التي قالها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لرئيس الوزراء عند تكليفه بالمنصب بضرورة مواجهة الفساد، وهي مسؤولية كبيرة تتطلب بذل الكثير من الجهد، وإلى وزراء ينظرون إلى المنصب على أنه تكليف وطني لا تشريف.هذا التكليف والتوجيه من قبل سمو الأمير فرصة ذهبية قد لا تتكرر، وعلى رئيس الوزراء اغتنامها والعمل بموجبها بالتحرر من كل الالتزامات السابقة، في البحث عن وزراء على قدر من الكفاءة والمهنية والأمانة بعيداً عن المحاصصة التي أثبتت فشلها على مرّ الزمن، سواء في الكويت أو الدول التي اتبعت هذا النهج، ولنا في لبنان والعراق خير مثال على ذلك. اختيار وزراء أكفاء ليس بالعمل الشاق إذا ما نظر سمو الرئيس إلى خارج الصندوق المعتاد عند مراجعة أسماء الكفاءات الوطنية من أبناء الأسرة والمواطنين، فالكويت تعج بالكفاءات ومن كل التخصصات، وملفات المواجهة كبيرة ومتعددة، منها ما هو متعلق بالفساد وإعادة الأموال المسروقة، ومنها ما يتعلق برؤية الكويت للمستقبل. في الوقت الذي طلب فيه سمو الرئيس السابق الشيخ جابر المبارك إعفاءه من المنصب لإعطاء المجال لكشف الحقائق وترتيب عمل الحكومة، لذلك وعلى المنوال نفسه كان من الأجدر بالسادة الوزراء في الحكومة المستقيلة أن يحذوا خذو سموه لإفساح المجال أمام الرئيس الجديد باختيار من يراه مناسباً للمرحلة القادمة.وزراء ميدان من الكفاءات وأهل الاختصاص هو ما تحتاجه الكويت في الوقت الحالي، فالظروف المحلية والإقليمية تغيرت والشارع يريد إنجازاً.ودمتم سالمين.
مقالات
حكومة مواجهة
26-11-2019