الجسمي: النفط حوَّل المجتمعات الخليجية من الإنتاج إلى الاستهلاك
خلال حلقة نقاشية عن «مستقبل الثقافة في الخليج العربي»
يرى أستاذ الفلسفة في كلية الآداب، د. عبدالله الجسمي، أن دول الخليج بعد الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي الحديث دخلت مرحلة اقتصادية جديدة، أنتجت تغيرات ثقافية عديدة، مما يستلزم ثقافة تتجاوز النمط التقيلدي.
ضمن الفعاليات المقامة على هامشها، شهدت الدورة الـ 44 لمعرض الكويت الدولي للكتاب حلقة نقاشية بعنوان "مستقبل الثقافة في الخليج العربي"، أدارتها د. ليلى الخياط، وحاضر فيها أستاذ الفلسفة في كلية الآداب بجامعة الكويت د. عبدالله الجسمي، إلى جانب د. حسن مدن من مملكة البحرين. وأكد د. مدن أن التحدث عن مستقبل الثقافة في منطقة الخليج العربي يرتبط ارتباطا وثيقا بدراسة ماضيها وواقعها والتحديات التي تواجهها، مشيراً الى ان الخليج كان ولايزال عنصراً فاعلاً في الثقافة العربية التي تزخر بالمكونات والمضامين والقيم الانسانية التي تراكمت بفضل وعي الأجيال السابقة بأهمية الثقافة ودورها في بناء الإنسان.وعدد مدن أهم التحديات التي تواجهها الثقافة في دول الخليج العربي والتي من أهمها إشكالية التاريخ الثقافي الخليجي التي تقترن بصعوبة بالغة في دراسة تاريخ الثقافة في الخليج العربي ورموزها ومعالمها، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كثيراً من الكتابات في هذا المجال ما زالت دون المأمول وتميل أحيانا إلى
وتابع بأنه يضاف الى التحدي السابق تحديات أخرى مهمة منها "سطوة" نمط الثقافة الاستهلاكية وتراجع فضاءات التنوير والحداثة، واستحواذ العالم الرقمي على أذهان الأجيال الجديدة، وتراجع دور المؤسسات التعليمية، الأمر الذي أدى الى خلق فجوة بين المثقفين والأكاديميين من جهة، والجيل الحديث والمثقفين من جهة أخرى.وأكد أن الضمان الحقيقي لمستقبل مشرق للثقافة في الخليج العربي يتحقق بمجابهة ومواجهة التحديات التي تعصف بواقع الثقافة في المجتمعات الخليجية ومحاولة ايجاد حلول منطقية وناجعة تلائم طبيعة العصر وتسارعه التكنولوجي وتستفيد من المكتسبات المرتبطة بالتطور، مشدداً على أن أي إجراء غير ذلك سيؤدي الى ضبابية الرؤية المستقبلية للثقافة في الخليج والى تراجعها ومراوحتها مكانها.بدوره، قال د. عبدالله الجسمي إن البعد الاقتصادي للثقافة يكتسب أهمية كبيرة في دراسة واقعها بمنطقة الخليج العربي تحديداً، مشيرا الى أنه وفق هذا الاطار مرت المنطقة بمرحلتين أساسيتين لكل منهما خصوصيتها وطبيعتها وسماتها ومميزاتها، الأولى مرحلة ما قبل اكتشاف النفط في زمن اللؤلؤ والصيد حيث كانت الثقافة محدودة بسبب غياب التعليم النظامي، كما اتسمت بكونها سكونية انعزالية بسبب الموقع الجغرافي، والثانية ما بعد اكتشاف النفط حيث تحولت المجتمعات الخليجية من الانتاج البسيط الى الاستهلاك، وتراجعت قيم العمل وتحول التأثير الثقافي الى الشعوب.ولفت الجسمي إلى أنه في العصر الحالي بعد الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي، دخلت دول الخليج الى مرحلة اقتصادية جديدة، أنتجت بدورها تغيرات ثقافية جديدة تستوجب اتخاذ اجراءات سريعة للتقليل من سلبيات تلك التغيرات، من أهمها تشجيع المجتمعات الخليجية على الانتاجية والابتكار، والاعتماد على العلم في خلق ثقافة واقعية عامة توحد الكثير من الكيانات الاجتماعية، والتخلص من القيم الثقافية الاقتصادية وترسيخ قيم التسامح والتعايش والاختلاف والتعددية الفكرية والدينية، ونشر الثقافة القانونية وتعزيز دولة المؤسسات بغية جذب الاستثمارات الخارجية.وأشار الى ان التحول الذي شهدته دول الخليج العربي من مجتمعات عمرانية بسيطة الى مراكز تجارية ومالية أدى الى انفتاحها على العالم وهو ما يفرض ضرورة خلق ثقافة تتجاوز الثقافات التقليدية. وبين الجسمي أن الثقافة مرتبطة في الخليج بالجوانب والشرائح الاجتماعية، وفي الفترة الأخيرة أصبح هناك سعي لتغيرات اجتماعية في عدد من دول الخليج العربية، سيكون لها آثارها على الثقافة الدارجة في المنطقة وخصوصاً على الموقف من المرأة التي أصبحت من المشكلين الأساسيين للمشهد الثقافي الجديد، مؤكداً أن ترسيخ التعليم في عدد من الدول الخليجية وتراجع الأمية ساهما بشكل كبير في خلق مردود ثقافي وعلمي مميز نتج عنه إحداث تطور كبير في الروافد التي تثري الثقافة العربية بشكل عام والخليجية على وجه الخصوص والتي من أهمها تطور حركة الترجمة في العقدين الاخيرين.
الترجمة
من جهة أخرى تتواصل فعاليات المقهى الثقافي ضمن معرض الكتاب، حيث أقيمت محاضرة بعنوان "مستقبل الترجمة... مستقبل أمة"، حاضر فيها د. حسين محمود، وأدارها الكاتب شريف صالح.وقال محمود: "لقد عاصرت شخصيا، وعلى مدى 40 عاما، مدارس ومناهج متباينة في الترجمة، وعانيت كما عانى المترجمون جميعا، في خبرة الترجمة اليدوية الصعبة مقارنة بعمل المترجمين اليوم، الذين يستفيدون مما وفرته التكنولوجيا من إمكانات، والتي لم يكن ممكنا الوصول إليها والحصول عليها دون تقدم محسوس وملموس في علم الترجمة، الذي عالج كل قضايا الترجمة، بما في ذلك تنظيم الترجمة من لغة إلى أخرى". وأضاف: "أستطيع أن أقرر بسهولة أن الترجمة اليوم، في العالم العربي، باستثناء حالات قليلة جدا، لم تستفد من التقدم المذهل في عالم الترجمة، ومن الابتكارات البعيدة عن الخيال في تكنولوجيا اللغة". واستدل محمود بمقولة حاتم باسل في كتابه "تدريس الترجمة والبحث العلمي فيها"، حيث قال إن الترجمة مثل بيت به غرف متعددة، ويقصد من وراء هذا التعبير المجازي أنه ليست هناك نظرية واحدة يمكن الأخذ بها عند تدريس الترجمة أو البحث فيها، وإنما هناك نظريات متعددة، "لذا من الأصح أن نقول إن هناك مداخل متعددة للبحث في الترجمة". وأكد أن المشاركة الحديثة بين علمي الترجمة والحاسب الآلي سيكون لها التأثير الأكبر على مستقبل الترجمة، وعلى مستقبل الأمة.