لبنان وتركيا والدولة العثمانية!
تركيا الحديثة لم تقم دولتها إلا بموافقة الغرب في أعقاب سقوط الإمبراطورية العثمانية، وقد ظلمت تلك الإمبراطورية العرب، وخصوصاً بلاد الشام، ومنها لبنان الذي تعترض تركيا اليوم على انتقاده سياستها، فما شأن الدولة التركية اليوم بالإمبراطورية العثمانية بعد الطلاق البائن بينهما في العشرينيات من القرن العشرين؟!
احتجت تركيا مؤخراً على لبنان لانتقاده أوضاعه تحت الحكم العثماني حتى سقوط الدولة العثمانية، وهذا ليس الاحتجاج الأول ولن يكون الأخير، فما علاقة تركيا القومية الإسلامية الحديثة بالدولة العثمانية؟ إن القومية التركية الطورانية قد ثارت على يد الاتحاد والترقي ضد الدولة العثمانية، ونتج عن ذلك إسقاط السلطان عبدالحميد الثاني، ومن ثم سقوط الدولة العثمانية لأسباب عديدة، وقيام الجمهورية التركية على يد جمال أتاتورك، وقامت الدول العربية بالاستقلال عن تلك الدول العثمانية أولاً، ثم عن الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، فما قصة تركيا المعاصرة مع الدولة العثمانية، فكلما ذكر العرب سلبياتها في المشرق تحرك الأتراك للدفاع عنها؟
إن الشيء الوحيد في ذلك النهج السياسي التركي اعتبار تاريخها هو تاريخ الدولة العثمانية، وأن حلمها هو عودة الخلافة العثمانية على يدها بسعيها إلى إقامة دولة قوية في الشرق الأوسط هي وإيران في مواجهة العرب، وإن شعوراً كهذا يدل على أن عدداً من الأتراك لا يزالون يشعرون بالعثمنة اليوم، أي دولة الخلافة، لا بل السلطة التركية تشعر بذلك، ويعبر عن ذلك الشعور مواقفها بين الحين والآخر، عندما يتحدث أو ينتقد العرب ممارسات العثمانيين أثناء حكمهم مدة أربعة قرون للمشرق العربي. لقد كانت الإمبراطورية العثمانية دولة الخلافة الإسلامية، وحروبها كانت دفاعاً عن الدولة، وليست دفاعاً عن الدين، وكانت تجمع الضرائب من العرب، وتجند أبناءهم لتلك الحروب، وتنصّب الولاة الأتراك على العرب، فقد كانت عنصرية تركية تحت مسمى عثمانية، والعثمانية أصلا اسم عائلة تركية بدأت إمارة في شمال تركيا، ثم أصبحت بالقوة دولة فيها، ثم إمبراطورية على حساب العرب وغيرهم، ومنذ الأمس إلى اليوم يدّعي الأتراك أنهم دافعوا عن الإسلام والمسلمين في المغرب والمشرق العربيين. إنه دفاع عن الدولة والإمبراطورية عن طريق (القرصنة) وغيرها، وساهمت في ذلك الضرائب التي كانت تُجبى من العرب، وكذلك دماء أبناء العرب، والمقابل كان الفقر، وحكم العرب باسم الإسلام، ولعب الصراع المذهبي دوره بين الأتراك والفرس على حساب العرب. إن استخدام التاريخ في الحاضر يجب أن يكون علمياً وموضوعياً، فتركيا الحديثة لم تقم دولتها إلا بموافقة الغرب في أعقاب سقوط الإمبراطورية العثمانية، وقد ظلمت تلك الإمبراطورية العرب، وخصوصاً بلاد الشام، ومنها لبنان الذي تعترض تركيا اليوم على انتقاده سياستها، وسبق أن انتقدت العرب في مواقف أخرى، فما شأن الدولة التركية اليوم بالإمبراطورية العثمانية بعد الطلاق البائن بينهما في العشرينيات من القرن العشرين؟!